للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وتأخذ جانب مازيني فيما كان ينشأ بينهما من خلاف في الرأي، فإن الأمر لم يخل من خلاف بينهما، إذ كان كاريل يرى أن مبادئ مازيني غير ممكنة في هذا الوجود، الأمر الذي كان يغضب له الزعيم أكبر الغضب فيؤدي إلى احتدام الجدال بينه وبين صاحبه.

وكان عليه من أول الأمر أن يعمل ليكسب قوته، ولم يكن أمامه ألا الكتابة، فراح يكتب على الرغم مما كان يحسه من كآبة وهم، وكان مما يضايقه أشد الضيق أن يرى نفسه مقيداً في اختيار موضوعاته بما يلائم الذوق الإنجليزي، وإلا ردها إليه أصحاب الصحف معتذرين من نشرها؛ فكان لذلك كثيراً ما يتناول من الموضوعات ما لا يحس في تناوله بما ينبغي من الارتياح واللذة، وقد كانت أكثر كتاباته في الأدب، فجال في ميدانه جولات موفقة، وتوثقت الصلة بينه وبين كثير من نابهي الكتاب من الإنجليز، وعرف فيمن عرف من كتاب فرنسا يومئذ لامنيه، والكاتبة الفرنسية الشهيرة التي اتخذت لقلمها أسم (جورج ساند)؛ فتبودلت الرسائل بينه وبينهما. وصار لمازيني في الواقع شخصيتان، فهو الزعيم السياسي الذي تعرفه الجمعيات السرية، وهو الأديب الكاتب الذي يذيع أسمه في الأوساط الأدبية.

ورأى الزعيم أن الأدب قد يصرفه عن السياسة كما أوشك أن يفعل ذلك من قبل في مستهل حياته العامة، فمال إلى السياسة وراح من جديد يوليها من عنايته إلى جانب الأدب؛ وقد عز عليه أن تموت جمعيته إيطاليا الفتاة. فأخذ يزيح الرماد عن هذه الجمرة لتظهر من جديد متوقدة مستعرة؛ فأكب على مراسلة أعضائها في إيطاليا وخارج إيطاليا. وشد ما كان يزعجه ويؤلمه ألا تقابل حماسته إلا بالفتور، وكان يعظم حزنه كلما آنس ذلك الفتور فيمن كانوا بالأمس يتحمسون أشد التحمس للجمعية ومبادئها، ترى ذلك في مثل قوله: (إني لأحس بالخجل حينما أكتب من أجل إيطاليا كما لو كنت ألجأ إلى الكذب).

وكان يخاف أن يموت دون أن يتم ما بدأه، كما كان يعتقد أن التراخي في الجهاد تفريط في كرامة الشهداء الذين جادوا بأنفسهم في سبيل وطنهم، وتفريط في حق الوطن الذي يتطلب من بنيه أن يموتوا كما مات غيرهم أو يهبوه الحرية والاستقلال. وكان يسأل نفسه ماذا عسى أن يصنع وحده وقد تخاذل الرجال وهانت الحرية على كثير من طلابها بالأمس؟ ولكن مثله لم يخلق له اليأس. ومتى كان اليأس من خلال الزعماء وهم الذين يبددون

<<  <  ج:
ص:  >  >>