للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذي فَصَل شامبليون حروفه والذي بسببه قرأ الأسماء (برنيس) و (كليوبترة) و (اسكندر)، وتوصل منها إلى حروف أبجدية أولية ساعدته في معرفة اللغة المصرية القديمة بحذافيرها.

تُرى هل استوعب معنا أسطورة مليكان؟ وهل اطلع فيها على جانب من التطور العلمي وأدرك ناحية من نواحي البحث التجريبي؟ تُرى هل لمس القارئ أمراً خالداً تدل عليه تلك الأسطورة - أمراً في خلوده صورة من صور الأبد تختلف عن صور العاديات القديمة التي تبلى مع كر الزمن: الإلكترون المكون لنا - وجوده - قدره - كل ذلك نشهده في هذه التجارب الخالدة.

وعندما يتغير وجه المدينة، ويرقى الإنسان إلى المدنية أعظم شأناً، عندما ينمو فيه عقل أكثر رجحاناً من عقله الحاضر فتوجد جماعات تتسابق جميعها في سبيل تقدمه بدلاً من أن تتهالك أحياناً على تحطيمه، عندما يأتي عصراً تزدهر فيه دور الكتب والعلم، ويأتي إنسان أعظم، يطالع فيفهم ويتأمل فيُقِّدر، فإنه سوف يرى على ممر الأجيال أسطورة مليكان ويطالعها بين الأساطير البارزة التي يحفظها التاريخ، فإذا حصل هذا القارئ البعيد في الزمن على (بطارية) من صنع يديه، وصنع لنفسه مكثفاً كمكثف مليكان، وغرفة صغيرة كغرفة جهازه، وإذا وضع إزاء هذا ميكروسكوباً في اتجاه عمودي على خط الضوء الواقع على جسيمات دقيقة من الميسور الحصول عليها، استطاع أن يعيد رقصة هذه الجسيمات، واستطاع أن يراها تعلو وتهبط في فراغ الحجرة فيرى رقصات رذاذ الزيت كما تحددها للقارئ البعيد، يرى رقصة الأبد وهي بهذا ثابتة مهما كرَّ الزمن وأينما دارت الأرض، رقصة يلعب الراقصون فيها على أنغام ثابتة ويبدون في ذلك حركات لا يتغير شيء في جوهرها ولا يتعدل حدث في مسارها، وهي رغم الذي ذكرناه لم تكن الدليل الأول والأخير على وجود الإلكترون والتحقق من شخصيته ومن قدره. ثمة طريقة أخرى نلمس فيها هذا الكائن في ثوب جديد وبدليل يختلف عن دليل مليكان السابق.

ثمت شيخ بلغ اليوم السبعين حولاً لا يزال حياً يرزق، متوسط القامة ينتهي وجهه بلحية مدببة وخطها المشيب، قد تركت له الطبيعة التي تفني كل شيء شعره المنتشر كثيفاً على رأسه والذي يكسوه طوله هيبة وجلالاً. ولو أنك جلست ظهراً في أحد مقاهي الحي اللاتيني بباريس مر أمامك هذا الشيخ في تجواله كما يمر أي رجل من الشارع، وهو طوراً لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>