للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إليك رجعت يا قلبي]

(لكاتب من الكتاب)

ينم عليه أسلوبه

قلبي، ألم يأن لك أن تعفو وتصفح؟

أنت تعرف أني لم اقبل على التحرير والتأليف في شؤون الأدب القديم والحديث إلا طلباً للسلامة من ظلمك وعدوانك، ولم أشغل قلمي بوصف أوهام المجتمع إلا لأصرفه عن الشغل بأحلامك وأوهامك.

فهل تراني مع ذلك نجوت من شرك؟

أنت تعرف أني لا أرى الناس من وقت إلى وقت إلا رغبة في الانصراف عنك، فإن الخلوة إلى نَزَواتك وبدواتك تُشبه الخلوة إلى أوكار الأراقم، وملاعب الجنّ، ومساقط البراكين.

فكيف تريد أن أرجع إليك؟

إن لي عقلاً يعصمني من غيّك، فاصنع ما أنت صانع ألست أنت الذي أغراني بالتطلع إلى مشارق الأقمار والأزهار ومواسم الأفئدة والقلوب؟

ألست أنت الذي حدثني بأن النعمة الصحيحة هي جودة الفهم لأطاليب الوجود؟

فهل تراك صدقت فيما حدثت؟

وهل تراني أحسنت في الاطمئنان إلى وسواسك ونجواك؟

الدنيا في طاعتك ليست إلا مهالك ومعاطب، فكيف فاتني التوفيق فلم أتمرد عليك؟

ما رأيت إنساناً يعيش في سلام وأمان إلا حكمت بأنه يحيا بلا قلب.

ولا رأيت إنساناً مسلوب مَهْدود العافية، إلا عرفت أنه من أرباب القلوب.

فمتى أنجو من شرك يا قلبي؟

إن اشتباك المهلكات والمدمرات في المعارك البرية والبحرية والجوية ليست إلا صورة مصغَّرة لما يقع بيني وبينك حين أخلو إليك فمتى أنجو من شرك يا قلبي؟

وما يضمر الأعداء المتحاربون بعضهم لبعض، وما تضمر الغابة الشَّجراء في ظلام الليل، وما يستتر في جوف المحيط من غَدَرات وفَتَكات، كل أولئك أخفّ وأهون مما تعدّه

<<  <  ج:
ص:  >  >>