للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويعينون موقع الهدف، ويسعون بشوق ولهفة، تسعى بهم اقدامهم ويا للاسف الى غير الهدف. وللجمال طريق يختلف عن طريق هؤلاء القوم الذين اتخذوا طريقهم اليه: طريق الالحان المشوشة التي تخلقها العواطف الثائرة. ومتى كانت مقاييس العواطف ثابتة وموازينها صادقة؟ وحقيقة هذه الالحان أنها تصور أهواء النفس، ولا تصور شيئاً من مجالي الفن والجمال. فكانت غاية المدرسة البرناسية أن تحول أذهان الناس عما اعتقدوا، وأن تصف الجمال - بالفن الذي لا يتصل بمشاعر النفس، ولا يتعلق بأهواء النفس، ولكن هذه المدرسة لقيت فشلها، وكان يقدر لها الفشل، وهي لما تدرج من مهدها لولا ثبات أصحابها، واحترام الاندية الأدبيه لهم. وتحوير هؤلاء لبعض قواعدهم. فالفئة التي سئمت الحان النفس والوجدان سأما بعثها عليه المغالاة والتصنع، راعها أن يطلبوا منها أن تقطع كل صلة بينها وبين النفس، ليتسنى لها أن تدرك الجمال بدورها كما أدركوه هم بدورهم. ولكنهم (أصحاب المدرسة البرناسية) لم يستطيعوا أن ييقطعوا هذه الصلة، لان الانسان لا يستطيع أن يؤدي لغته الشعرية، وأن يفهم اللغة الشعرية الا بنفسه. وهل يستطيع أحد أن يفهم ملامح التمثال دون أن يمر بهذه الملامح على نفسه التي تدرك منها ما تدرك. وقد يكون هذا الادراك هو الادراك الصحيح للتمثال وقد لا يكون، ولكنه لم يكن - في الحالين - الا تعبير النفس والعاطفة العميقة. ولذلك لم يحفل الناس بهذه المدرسة الا كحفلهم بشيء جديد له منظر جديد وروعة جديدة ولو كان هذا الشيء قبيحاً. حتى اذا شبعوا من هذه المنظر الجديد والروعة الجديدة صدفوا بوجوههم عنه، وعاودوا النظر في الأفق البعيد، لأنهم لم يقعوا على غايتهم في هذا الأفق الخادع.

وهذا (بول فرلين) أحد شعراء هذه المدرسة لم يستطع أن يثابر على النظم وهو خارج عن نفسه، فتمرد على احساسه وتمرد احساسه عليه، فعاد يترجم عن مشاعره مضطراً، لأنه لم يقدر على كبحها، ولكن بأسلوب غير الأسلوب (الرومانتيكي) لأن فلسفته العميقة ساعدته على خلق فنه ولغته. فنزل الى أعماق النفس، وهبط الى حيث تكمن المشاعر (في الخليات المظلمة) فأيقظها وأحيياها وأدناه من عالم النور والحركة، بعد أن كان يغمرها الظلام والسكون.

حقيقة المذهب الرمزي:

<<  <  ج:
ص:  >  >>