للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أفانين]

بين الخوارزمي والهمذاني

للأستاذ علي الجندي

- ١ -

من أروع ما وعاه تاريخ الأدب في صفحاته تلك المناظرة الحادة العنيفة بين إمامين من أئمة الأدب، أبي بكر الخوارزمي وبديع الزمان الهمذاني، وقد أسفرت عن هزيمة أولهما هزيمة ساحقة، لم يقو على احتمالها فقضى نحبه بعدها بقليل!

ما ذكرت تلك المصاولة قط إلا غام الحزن على عيني، وملأ شِعاب قلبي، وشعرت للبديع بمقت شديد يكاد يعقل لساني عن الترّحم عليه!

ففي الحق أن هذا الرجل بالرغم من وصف الثعالبي له: بحسن العشرة، ونصاعة الظرف، وعظم الخلُق، وشرف النفس وكرم العهدة، وخلوص الود، وحلاوة الصداقة، قد التاثت نفسه بأمراض تتوارثها الكثرة الكاثرة من الأدباء جيلاً بعد جيل، وتتمثل في تلك الصورة الشوهاء من حدة الغيرة، وفرط الأثرة وحمل الحقد، وحب الانتقام والزراية على النظراء والسعي الجاهد في هدمهم بالحق والباطل، حتى كاد مدلول الأدب لطول ما اتسم أصحابه بهذه المثالب، يرادف في الأذهان نشوز الطبع وانحراف المزاج، وانحلال الخلق، والتمرد على الشرائع المرعية والارتكاس في الخلاعة والمجون، ورحم الله من قال:

ليس الأديب أخا الروا ... ية للنوادر والغريبْ

ولشعر شيخ المحدَثين (م) ... أبي نواس أو حبيب

بل ذو التفضل والمرو ... ءة والعفاف هو الأديب

ولد أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي (بخُوارِزْم) ونشأ بها متأدباً، وإن كان أصله من طبرستان ثم جاب الأقطار من الشام إلى أقصى خراسان في تحصيل العلم والأدب، فبرع في كل فن من فنون العربية، وغزر محصوله من اللغة والشعر حتى كان يحفظ عشرين ألف بيت من شعر النساء خاصة.

ورشحه فضله لخدمة الملوك والأمراء والوزراء في الدويلات المتفرعة من الخلافة

<<  <  ج:
ص:  >  >>