للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(بالقرب من الأرض).

وفي سنة ١٩٢٨ أخرج (اعترافاته) فأحدث أثراً في فنلندا، وقد شبه الناقدون كتابه هذا، بالزهرة المتفتحة ذات الأريج العطر المسكر. لأنه كان فيه بعيداً عن التكلف والنحت، سهلاً متدفقاً رائعاً.

وكان يؤخذ على أديب فنلندا الأكبر الإطناب وعدم الدقة، وهذا المأخذ لا يأتي من ضعف الشخصية المبدعة، ولكن من قلة إعمال الفكر والملاحظة. على أنه نجا من هذا العيب في كتابه الذي أسماه (ماتت في ريعان الصبى)، وقد ترجم إلى كثير من اللغات ويعد أروع ما أخرجه للناس.

ونستطيع أن نقدّم لهذه القصّة خلاصة موجزة لشأنها الكبير: فقد كان لزوجين من أغنياء القرويين ولد فرد، تزوج فتاة من أقرباء أبيه. ولم يلبث طويلاً حتى قضى أبوه ولحقت به أمه. فبدأ يعاني جفوة الزمان وإهمال الزوج. فقد كانت زوجه ضعيفة الخلق مريضة الجسم، لا تستطيع أن تشد أزره أو تساعده على تدبير أطيانه واستثمار أمواله. ولم يكن ذا بأس شديد أو حزم ماض أو إرادة صلبة، فبدأ الناس يسلبونه ماله، ويوقعون بينه وبين أعوانه، فاضطر إلى بيع أراضيه الواسعة وحقوله الشاسعة، وداره التي رأى النور فيها، ومنزله الذي عاش فيه أبواه ومن قبلهما أجداده. فخشي الذل، ورحل إلى قرية مجاورة وعاش فيها يُعاني ألم الفقر وبؤس العوز، ثم فجع في زوجته التي قضت نحبها أسيانة حزينة.

وعاش الرجل (غوستاف) مع ابنته (سليجا) التي تركتها زوجته من خلفها، وكان شديد الحب لها، والتعلق بها، ولكنه لم يمتّع بالعيش معها طويلاً، بل مات وعمرها خمسة عشر عاماً. فاضطرها اليتم والفقر إلى الخدمة في قرية مجاورة. وكانت حلوة العينين، عذبة الكلام، أنيقة الجمال؛ وكانت تؤثر الوحدة والانفراد إذا فرغت من عملها على الاختلاط بالناس. وما كان أحد ليستطيع معرفة ما يجول في خاطرها ويعجّ في نفسها. فلما تخطت العشرين من عمرها التحقت بخدمة شيخ كان أستاذاً في إحدى الجامعات فحنا عليها بلطفه وآثرها بعطفه، فذاقت الراحة وعرفت لهناء وساعدها الزمان، فعرفها شاب اسمه (أرماس) أتى من المدينة ليصيف، فتحابَّا وقضيا ليلة (تدنيه ويدنيها) حتى إذا كان طفل الغداة تلقى

<<  <  ج:
ص:  >  >>