للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ذكرى مولد المسيح]

وعلى الأرض السلام!

في هذا اليوم يحتفل المسيحيون بذكرى مولد المسيح عيسى ابن مريم. وفي ليلة هذا العيد المجيد بات القسس والرهبان يرتلون وحدهم بين أروقة البِيَع وصحون الكنائس ذلك القُنوت الشعري الجميل:

(المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وفي الناس المسرة!) وربما تابعهم الأقوام فرتلوا وهللوا جرياً على التقليد وخضوعاً للعادة؛ ولكنهم وا أسفا لا يجدون في الآفاق ولا في أنفسهم معنى هذا النشيد، ولا حقيقة هذا العيد!

في أي جهة من جهات الأرض ذلك السلام؟ وفي أي قلب من قلوب الناس تلك المسرة؟ لقد عادت روح يهوذا الأسخريوطي في جسدي هتلر وستالين فدلا على السلام الإلهي أبالسة الشر وزبانية الجحيم فصلبوه في بولندة، ودفنوه في فنلندا، ومكَّنوا في الأرض لعوامل القحط والموت، فأوقروا مائدة عيسى سماً وصاباً، وأنبتوا شجرة ميلاده هماً وعذاباً، وحولوا أعشاش الأسر ورياض الحقول قبوراً موحشة على كل قبر منها ركام من الثلج وصليب من الخشب!

لكأني بك يا روح الله كنت تمشي من الناصرة إلى بحيرة الجليل، ومن صفد إلى كفر ناحوم، وأنت ناكس الرأس ساهم الوجه، يعتلج بين جوانحك الهم، ويجول في مآقيك الدمع، لأنك كنت ترى بعين الله التي تخترق الأزل والأبد كيف تَلازَم الشر والخير في ملكوته، فابتَلى آدم بإبليس، وموسى بالسامري، وعيسى بيهوذا، ومحمداً بأبي لهب؛ وقضى ألا تخلو الأرض من أتباع هؤلاء وهؤلاء، ليدوم صلاحها بمدافعة بعض لبعض، حتى إذا طغت قوى الشر وسادت عناصره أرسل عليها طوفان نوح بالماء أو بالوباء أو بالدم أو بالنار فترعوي وتهمد.

وكان الشر في عهد المسيح وقحاً يتعسر في عيون الروم، ويتنمر في نفوس اليهود، فأخذ هو وحواريوه يكفكفون طغيانه بالمسالمة، ويخففون عدوانه بالصفح، ويسعفون ضحاياه بالمواساة، ويشفون مرضاه بالدعاء، ويحاربون أولياءه بالوعظ. ولكن الشر كان قد تفاقم واستطار فلم يرتدع باللين حتى جاء محمد رسول الله فردَّ جماحه بالسيف. وظلت محنة

<<  <  ج:
ص:  >  >>