للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقالت: فما غضبك يا صديقي مما قالت؟ أن لها في الحياة ميزانها الذي تقيس به أقدار الرجال؛ وأن للحياة موازينها؛ فما ضرك أن تكون في ميزانها ما تكون وأنت أنت.

إن معك الشباب والقوة، وأن لك غداً يبتسم ويرفّ، وإن دماً في أعراقك يتحدث به التاريخ؛ فهل يخدعك عن كل أولئك أن فتاة تقول. . .؟

وأمسكت عن تمام الحديث؛ فقد رأيت في عيني صاحبي ما قطعني وردني إلى الصمت!

وعاد إلى حديثه:

(وددت يا صاحبي لو لم يكن كل أولئك وكانت هي. . .؟)

ورأيتني منه على حال لا يجدي معها إلا أن أسكت؛ فسكت! وودّعني صديقي بالوجه الذي لقيني به، ومضى لشأنه

يا لقلوب الشباب من سلطان الحب!

ولقيته بعد ذلك مرات؛ ولكنه كان شابّاً غير من أعرف

هذا الذي كان لا يعرف من فروض الحياة على الحي إلا أن يبتسم ويضحك، ويعبث بكل شيء، ويسخر من كل شيء - قد عاد في عبوسه وتزّمته وصرامة نظرته إلى الحياة خلقاً آخر!

يا عجباً! أين ما صار مما كان؟

تمرُّ به الجملية الفاتنة قد أخذت زخرفتها وأزَّينت، فما تظفر منه إلا بالنظرة العابرة!

ويسمع النكتة البكر تضجّ لها جنبات المجلس بالضحك والتهليل فما تنال منه إلا بسمةً خاطفة!

وتتداعى أمانيُّ الشباب في معترك الحديث من حوله فما تسمع منه إلا أنةً خافته!

ويتبارى الفتيان فيما يحكون من أقاصيص الحب وغزوات الشباب فما ترى على وجهه من دلائل يقظة الوجدان إلا سبْحة لطيفة من سبحات الذكرى، ثم خفقة طرف وخلجة شفة!

ثم يسمع أحاديث الزواج والخطبة. . . فتراه كما ترى جنديَّاً في إجازة يتلقى أخبار معركة حربية مظفرة وبينه وبين الميدان أبعاد وأبعاد!

ترى ماذا يتوقع أن يسمع؟

شئ واحد لم يغيِّره الزمن من أخلاق صاحبي: هو سخاء يده؛ فما عرفت في أصحابي من

<<  <  ج:
ص:  >  >>