للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شاسعة لا يقل امتدادها عن الخمسة والثلاثين من الكيلومترات.

عندما يتجول المرء بين هذه الأطلال المترامية الأطراف، ويتأمل في السرعة العظيمة التي امتاز بها تأسس مدينة سامراء وتوسعها من جهة، وإقفارها وإندراسها من جهة أخرى. . . لا يتمالك نفسه أن يسأل عن العوامل التي سيطرت على مقدرات هذه المدينة العظيمة، وصيرت قصة حياتها بهذا الشكل الغريب

إن العوامل السياسة التي لعبت دوراً هاماً في هذا المضمار، لم تكن كثيرة التعقيد؛ بل إنها تتجلى لنا بكل وضوح عندما نُلقي نظرة عامة على أهم الحوادث التي وقعت في عهود الخلفاء الثمانية الذين توالوا على أريكة الخلافة العباسية في سامراء

يجابه الخليفة المعتصم - وهو ابن هرون الرشيد - مشاكل عظيمة في إدارة البلاد، فيرى أن يتغلب عليها باستخدام جيش من الموالي والمماليك؛ فيكثر من شراء الغلمان - من بلاد المغرب والمشرق - وعلى الأخص من بلاد ما وراء النهر بغية تكوين جيش مطيع ينزل على إرادته على الدوام. غير أن تكاثر هذا الجيش الغريب في العاصمة القديمة - بغداد - المزدحمة بالسكان، يؤدي إلى حدوث بعض الوقائع بين العساكر والأهلين. فيقرر الخليفة إزاء هذه الحال إنشاء عاصمة جديدة - بعيدة عن القديمة - ينتقل إليها بعساكره وقواده ووزرائه وندمائه وكتابه وأتباعه، ويدعو الناس إليها، على أن يرتب كل شيء فيها على حسب ما يتراءى له (مفيداً) لتوطيد دعائم ملكه من جهة ولزيادة جلال عاصمته من جهة أخرى

يمضي الخليفة في تحقيق فكرته هذه بعزم قوي وفي خطة محكمة، فينتخب موقع سامراء، بعد التحري والبحث، ويؤسس عاصمته الجديدة هناك، على أساس القطائع المنظمة، فيجعل كل مجموعة من القطائع قائمة بنفسها، مستقلة عن غيرها بمساجدها وأسواقها وحماماتها

و (يفرد قطائع الأتراك عن قطائع الناس جميعاً، ويجعلهم منعزلين عنهم لا يختلطون بقوم من المولدين) ولو كانوا من التجار حتى أنه يفكر في أمر ذريتهم و (يشتري لهم الجواري، فيزوجهم منهن، ويمنعهم أن يتزوجوا ويصاهروا أحداً من المولدين، إلى أن ينشأ لهم الولد فيتزوج بعضهم من بعض)

لا شك في أن هذه الخطة كانت تنطوي على محاولة سياسية خطيرة، بل كانت بمثابة

<<  <  ج:
ص:  >  >>