للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأجيال الطوال. فمن أقام في القاهرة وله عقل وذوق فليحاسب نفسه على اللمحات واللحظات ليؤدي الزكاة عن قلبه وعقله وذوقه إن كان من الموفّقين، وإلا فهو نفاية ملفوظة في المدينة (القاهرة) التي تنكر خمود الغرائز وجمود الأحاسيس

هنا القاهرة!

أي، والله، هنا القاهرة. وما أسعد من يرى القاهرة أول مرة!

لقد فتنت هذه (القاهرة) من زاروها في هذه الأيام للاشتراك في المؤتمر الطبي العربي، وحمدوا الله على أن جعل للعروبة مدينة مثل القاهرة تتكلم اللغة العربية. فإن لم تكن القاهرة أعظم مدينة في العالم كله فهي بالتأكيد أعظم مدينة في الشرق بفضل ما جمعت من الخصائص الذاتية التي تحكم لها بالفضل على جميع مدن الشرق، وليس ذلك بالقليل

ولكن أين من يعرف أننا بسبب هذه العظمة أشقياء؟

أين من يعرف أن القاهرة لا تعظُم من يوم إلى يوم إلا لتزيد أعبائنا في الحياة؟ وإلى المنصفين من إخواننا في الشرق أقدّم الظاهرة الآتية ليعرفوا في أي جحيم يعيش القاهريون

في كل بلد من بلاد الشرق يستطيع الرجل الوسط أن يعيش لأن الدنيا في بلاد الشرق لا تزال تتسع للأوساط من الرجال

أما مصر - ويرحم الله أهل مصر! - فليس فيها للرجل الوسط مكان

العالم الوسط لا يستطيع العيش

والأديب الوسط لا يجد الرزق

والمغني الوسط يضيع

والطبيب الوسط لا يجد ثمن الدواء حين يمرض

والصحفي الوسط لا يملك الوصول إلى خبر صغير

والمثل الوسط قد لا يجد الفرصة لشهود رواية صغيرة، فضلاً عن القدرة على الاشتراك في التمثيل

القاهرة تقول في كل وقت: كن قاهريّاً

وهل يستطيع كل مصري أن يكون قاهريّاً؟

أليست القاهرة هي التي فرضت الخمول على مئات من الشعراء لأنهم لم يكونوا في

<<  <  ج:
ص:  >  >>