للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المحيطة به بسرعة، ويدرك ما تتطلبه هذه الظروف، ويعرف أيضاً قانون بيئته الخلقي والاجتماعي، فيتهيأ بلباقة، ويتكيف بمهارة وقدرة ليناسب بين تصرفاته وبين بيئته وفقاً لقانونها الخلقي الاجتماعي المعتمد، بعكس الغبي أو قليل الذكاء الذي لا يدرك بسرعة - أو مطلقاً - العلاقات بينه وبين الأحوال الطارئة عليه، أو بينه وبين القانون الخلقي، فتصدر تصرفاته عن خطل وحمق، ويحاول العمل في تخبط.

وقد يكون ذكاء المرء مصدر شقائه وفساد أخلاقه، فيجعل منه تأثراً على نفسه وعلى المجتمع، أو لصاً ماكراً، أو مجرماً غادراً. ويحدث ذلك في الغالب إذا كثرت حاجات الفرد ومطالبه ورغباته، ولم يقو إنتاجه المادي المحدود، أو لم تساعده البيئة، على الوفاء بهذه الحاجات والرغبات، فهو أما أن يضحي بهذه المطالب ويكبت هذه الرغبات ويكون حينئذ عرضة للنوبات العصبية والاضطرابات النفسية، وأما أن يلجأ إلى تحقيق هذه المطالب وتلبية الرغبات بطريق غير مشروع، فيحتال ويسرق ويغش، ويصطنع كل السبل التي يصل بها إلى غاياته ويفلت من عقاب القانون. وقد يخونه ذكاؤه فيقع في يد القضاء، ويلقى الجزاء. ثم يعود سيرته الأولى بعد الجزاء، ويستسيغ هذا النوع الجديد من حياته الشريرة. لأنه سقط فهوى ولم يجد من ينقذه بمعرفة سبب الجرم؛ فإن كان في نفس المجرم حاول إزالته وتوجيهه إلى الصالح المنتج المفيد، وإن كان في البيئة عمل على محوه وخلق تناسب بين البيئة وبين الفرد. ولذلك نجد في السجون الأوربية معاهد للتثقيف والإصلاح، ولتعليم الفنون والصناعات المختلفة كالزراعة، والتجارة والطباعة، والحياكة الخ حتى يجد السجين أمامه بعد مغادرة السجن وسائل الحياة التي تتناسب مع ذكائه. والتي تساعده على كسب ما يحقق رغباته فيتجه بذلك ذكاؤه اتجاها مستقيماً صالحاً ويتحقق المثل السائر (السجن مدرسة وتهذيب وإصلاح)

وقد لاحظ علماء القيادة المهنية أن أكثر العمال في المصانع تذمراً، والموظفين في الشركات طمعاً هم أولئك الذين وضعوا في مهنة أو وظيفة دون مستواهم الذكاوي، فيكون هؤلاء دائماً مصدراً للمؤامرات، وتدبير الإضراب، والخروج على النظام. وكذلك وجدوا أن قليلي الذكاء أو الأغبياء إذا ما وضعوا في مناصب ذات تبعة وفوق مستواهم الذكاوي، قصر ذكاؤهم دون القيام بتبعاتهم، فيعروهم الاضطراب والهم، وينغمسون في الشهوات

<<  <  ج:
ص:  >  >>