للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النهار؛ وأنا بين الشك واليقين لا أستطيع أن أمسكها فتجد مس الضيق والملل، ولا أن أرسلها فأذوق مرارة الوحدة وعذاب المرض معاً

وضاق بي صدر الحكومة فلفظتني، وللحكومة قانون يحكم على المرض بالإعدام. وظلت زوجتي تداجيني وتفتن في مرضاتي حتى أرسلت الحكومة إلي مكافأة مالية لا ترد عادية ولا تدفع فقراً، غير أن قطرة منها تروي حِزَّني. . . أرسلتها الحكومة فأخذتها الزوجة وطارت. . . طارت أحوج ما أكون إليها، لتذرني وحيداً على فراش المرض والضيق، لا أجد إلى جانبي سوى خادم صغيرة لا تستطيع شيئاً).

وسكت سكتة طويلة حين اضطربت الكلمات على شفتيه، وتدفقت العبرات من محجريه لا يستطيع كبتها. فقلت: (لا بأس عليك، يا صاحبي؟) قال: (هذا ضعفي، ولعمري لقد كنت أضن به أن يبدو أمام الناس، وهانذا أريقه على عينيك!) قلت: (لا ضير، لقد طارت فلا تدعها تنفث فيك من هموم الحياة، لقد طارت فماذا كان. . .؟)

قال: (وجاء أخي يرفه عني بكلمات. . . على حين قد حضرني بثي

ثم تماثلت للشفاء وأنا أرزح تحت عبء الدين وشدة الصدمة، وتحدثت إلي رجولتي ساعة من زمان، فإذا زوجتي غريبة عني

وترامى إليها الخير، فهبت تحدثني بلغة المحاكم الشرعية، وللمحاكم الشرعية لغة هي عقل المرأة انتقام وتنكيل، وفي عقل القاضي ثأر واقتصاص، وفي رأى الزوج مثله وعبرة، وفي عيني العزب زجر وعظة. ثم هي - دائماُ - تقول للزوج (أيها الأحمق، لم تزوجت؟) وللعزب (أيها العاقل، إياك إياك!)

وعشت سنة لا أبرح السجن إلا ريثما أعود إلى غيابته، وما في يدي ما أستطيع أن أدفع به تهم الزوجة ولا غفلة القاضي)

ثم اطرق وقد نفث حديثه في روح الأسى والحزن، وإن في نفسي غيظاً يحتدم. . . ثم قلت: (وهي؟) قال: (أما هي فقضت أيام محنتي بين ذراعي حبها الجديد، ثم مكرت به - بعد أن عصفت بي - فإذا هو زوجها) قلت: (يا الله! ويل للرجل من المرأة)

فقال في هدوء: (من النساء غل قمل يقذفها الله في عنق من يشاء ثم لا يخرجها إلا هو)

قلت: (صدق رسول الله، فعلام إذن تذهب نفسك حسرات، وأنت ما تفتأ في شبابك؟)

<<  <  ج:
ص:  >  >>