للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إلى عروة أبي عبد الله يواسونه ويصبرونه ويذكرونه بقدر الله خيره وشره؛ وإذا فيهم سليمان بن عبد الملك أخو أمير المؤمنين، وعمر بن عبد العزيز، والقاسم بن محمد، وعبد الله بن عبد الله إبن عمر بن الخطاب، وقد حضره ولده هشام فأرم قد انتُسف لونه من الحزن على أخيه والرحمة لأبيه. وأقبل أمير المؤمنين وأنا معه على عروة؛ فتفرق الناس إلى مجالسهم، وإذا عروة كأن ليس به شيء، يرف وجهه كأنه فلقة قمر وهو يضحك ويقول: لقد كرهت يا أمير المؤمنين أن يقطعوا مني عضوا يحط عني بعض ذنوبي، فقد حدثنا أن أبا بكر قال: يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية (ليسَ بِأَمانِيَّكمُ ولا أَمانيِّ أهلِ الكتاب مَنْ يَعمَلْ سُوءا يُجزَ بهِ)، فكل سوء عملناه جزينا به؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غفر الله لك يا أبا بكر؛ ألست تمرض؟ ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأْوَاءُ؟ قال: بلى يا رسول الله. قال صلى الله عليه وسلم: فهو ما تجزون به، فإن ذاك بذاك. لوددت يا أمير المؤمنين أنها بقيت بدائها فهي كفارة تحت الذنب

قال أمير المؤمنين: غفر الله لك، غفر الله لك، وما أعجب لصبرك، فأمك أسماء بنت أبي بكر الصديق (ذات النطاقين) وأبوك حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته الزبير ابن العوام، فرضى الله عنك وأرضاك يا أبا عبد الله

فما كدنا حتى أقبل أبو الحكم، وهو شيخ نصراني طويل فارع مشبوحُ العظام، قد تخدّد لحمه، أحمر أزهر أصلع الرأس إلا شعرات بيضاً قد بقيت له، كث اللحية طويلها، لو ضربتها الريح لطارت به؛ ودخل أبو الحكم وراء لحيته وهي تسعى بين يديه، حتى وقف على عروة بن الزبير فقال: لابد مما ليس منه بد يا أبا عبد الله، وإني والله لأرحمك وأخشى أن يبلغ منك الجهد، فما أرى لك إلا أن نسقيك الخمر حتى لا تجد بها ألم القطع. قال عروة: أبعدك الله من شيخ، وبئس والله ما رأيت! إنا والله ما نحب أن يرانا الله بحيث نستعين بحرامه على ما نرجو من عافيته! قال أبو الحكم: فنسقيك المرقد، يا أبا عبد الله! قال عروة: ما أحب أن أسلب عضوا من أعضائي وأنا لا أجد ألم ذلك فأحتسبه عند الله

قال أبو الحكم: وقاك الله يا أبا عبد الله! لقد ألنت منا قلوبا كانت قاسية؛ ثم التفت (أبو الحكم) إلى رجال سود غلاظ شداد قد وقفوا ناحية فقال: أقبلوا، فأقبلوا. . . فأخذتهم عين عروة فأنكرهم فقال: ما هؤلاء؟ فقال أبو الحكم: يمسكونك، فإن الألم ربما عزب معه

<<  <  ج:
ص:  >  >>