للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بضعفهم، ويكون ما يحصل لهم عبرة لغيرهم من المشركين. وفي هذا يقول الله تعالى في سورة الأنفال (سَأُلِقي في قلوبِ الّذينَ كَفَروا الرُّعبَ فاضربوا فَوقَ الأعناقِ وَاضْرِبُوا مِنهُمْ كلّ بَنَانٍ) - ١٢

ولكن المسلمين في هذه الغزوة لم يكادوا يرون النصر فيها بعد أن قتل الله من قتل من صناديد قريش حتى أدركتهم تحيزتهم الأولى في الجاهلية، واستبدلوا الأسر في المشركين طمعاً في الفداء بالإثخان فيهم، والضرب فوق أعناقهم

فلما وضع القوم أيديهم يأسرون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش، وسعد بن معاذ قائم على باب العريش متوشحاً في نفر من الأنصار، يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم يخافون عليه كرة العدو - رأى رسول الله في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس، فقال له: والله لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم، قال: أجل والله يا رسول الله، كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك، فكان الإثخان في القتل أحب إليّ من استبقاء الرجال

فهذا هو الإثخان الذي نزل فيه قوله تعالى في الآيتين السابقتين (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) وهو إثخان تبيحه الشرائع العادلة، ويقتضيه الحزم والتدبير، وقد أمر الله به في أثناء القتال، ولم يأمر به في الأسرى بعد الانتهاء منه، كما هو المشهور في سبب نزول تينك الآيتين

وأما عرض الدنيا الذي قصده الله تعالى بقوله: (تريدون عرض الدنيا) فليس هو الفداء الذي أباحه الله لنا بعد القتال، وإنما هو ما حصل منهم أثناء القتال من إيثار الأسر على القتل طمعاً في الفداء، والقتال في الإسلام لا يصح أن يكون لغرض القتل من أغراض الدنيا، لأن ذلك هو قتالهم في الجاهلية للسلب والنهب والإسلام أشرف من أن يباح فيه القتال لذلك الغرض

وهذا المعنى الذي نقوله في تفسير الآيتين هو الظاهر منهما، لأن العتاب فيهما لم يرد إلا على نفس الأسر، أما تفسيرهما المشهور فالعتاب فيه على الفداء، وهو إنما يصح تفسيرا لمثل: كان لنبي أن يبقيُ على أسرى. وقد قال أبن السبكي في تفسيرهما: إن المعنى ما كان لنبي غيرك أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض. فجعل هذا من خصائصه صلى الله

<<  <  ج:
ص:  >  >>