للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فلو إنه ملك فكره وقدرته حين بدأ سير حياته العقلية، ونظر نظرة في النجوم: نجوم السماء ونجوم الأرض، وقال كلمة للقرآن التي هي معنى الإسلام: (إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً) ومضى مع مواكب الطبيعة حادياً لها بعقله وبيانه، نائبا عنها في النطق باسم ربها وربه. . . إذا لوضحت أمامه طريق الحياة وتراءت له غايتها مما يبعث فيه الطمأنينة واليقين والصبر وحب العمل لها ولما بعدها. والمنطق البسيط المأخوذ من هذه النظرة الواضحة يقول: ما دام الناس متفرقين مختلفين في الفطرة ولهم حق الحياة، فمن الجهل والظلم أن أحتقر جنساً غير جنسي أو أحتكر الحياة لنفسي وحدها مادام كل إنسان لم يخلق نفسه. . . ومن حسن الحظ أن هذه النظرة الأولية الطبيعية تلتقي مع النظرة الناشئة من تتبع الميراث الصناعي لأساليب حكم الجماعة الإنسانية: أي مع أهم مخلفات الحياة الديمقراطية التي ارتاح لها الإنسان السياسي: ألا وهي حق الحياة وحريتها لكل فرد ولكل جماعة. . .

ومن حسن الحظ أيضاً أن حراس الديمقراطية الآن - وإن كانوا أنقص من المسلمين بدرجة عظيمة في تقديرهم معنى المساواة والحرية والرحمة والأخوة الإنسانية - مستعدون أن يسمعوا دعوة الإسلام لها وأن يأخذوا أصواتنا القديمة والحديثة في الدعوة إليها والدفاع عنها ليضموها إلى أصواتهم وهم يحاربون أعداءهم

نعم نحن نفترق عنهم في التقدير وفي الغاية، فنحن نطلب الحق والحرية والعدالة لذاتها واللذة إحساس نفوسنا بسموها إحساساً مستنداً على حرارة الإيمان ويقين العقيدة الدينية، وهم يطلبونها ويقدرونها لحفظ ما في أيديهم من الحطام وأعراض الدنيا

غير أننا يجب أن ننتهز هذه الفرصة لندخل بمبادئ محمد إلى قلوب حراس الديمقراطية، فلعل ما هم فيه من المحن والنكبات يجعلهم يقبلون على الخير والحق لذات الخير والحق. . .

ومادمنا نعتمد على إعانة رب الحياة الذي نستمد من قوته وقهره للدفاع عن أسلوبه في الطبيعة وحفظ فطرته كما أرادها؛ فإننا واثقون أنه سيفتح لنا ثغرا في حياة الغربيين ينفذ منها نوره الذي وضع مِشعاله الأخير في يد محمد

وأحس أن هذا الزمان يتمخض عن انقلاب خطير! إما إلى عصر ارتداد وانتكاس وجاهلية

<<  <  ج:
ص:  >  >>