للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الاجتماع اللغوي]

صراع اللغات

للدكتور علي عبد الواحد وافي

مدرس العلوم الاجتماعية بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول

ذكرنا في مقال سابق أن الصراع بين اللغات ينشأ عن عوامل كثيرة أهمها عاملان: أحدهما أن ينزح إلى البلد عناصر أجنبية تنطق بلغة غير لغة أهله؛ وثانيهما أن يتجاور شعبان مختلفا اللغة، فيتبادلا المنافع، ويتاح لأفرادهما فرص للاحتكاك المادي والثقافي. ثم تكلمنا عن الحالات التي يؤدي فيها العامل الأول إلى تغلب إحدى اللغتين على الأخرى وما يمتاز به هذا التغلب من خصائص وما يتصل به من شؤون

وسنعرض في هذه الكلمة للحالات التي يؤدي فيها العامل الثاني إلى مثل هذه النتيجة

يتيح تجاور شعبين مختلفي اللغة فرصاً كثيرة لاحتكاك لغتيهما فتشتبكان في صراع ينتهي أحياناً إلى تغلب واحدة منهما على الأخرى فتصبح لغة الشعبين؛ ويحدث هذا في حالتين:

الحالة الأولى: إذا كانت نسبة النمو في أحد الشعبين كبيرة لدرجة يتكاثف فيها ساكنوه، وتضيق مساحته بهم ذرعاً، فيشتد ضغطه على حدود الشعب المجاور له، وتكثر تبعاً لذلك عوامل الاحتكاك والتنازع بين اللغتين. وفي هذه الحالة تتغلب لغة الشعب الكثيف السكان على لغة المناطق المجاورة له؛ على شريطة ألا يقل عن أهلها في حضارته وثقافته وآداب لغته. ويتأكد انتصاره إذا كان أرقى من أهلها في هذه الأمور

والأمثلة على ذلك كثيرة في التاريخ. وأكثرها دلالة بهذا الصدد ما كان من أمر اللغة الألمانية؛ فقد طغت على مساحة واسعة من المناطق المجاورة لألمانيا بأوربا الوسطى (بسويسرا وتشيكوسلوفاكيا وبولونيا والنمسا. . . الخ) وقضت على لهجاتها الأولى

الحالة الثانية: إذا تغلغل نفوذ أحد الشعبين في الشعب المجاور له، وفي هذه الحالة تتغلب لغة الشعب القوي النفوذ، على شريطة ألا يقل عن الآخر في حضارته وثقافته وآداب لغته؛ ويتأكد انتصاره إذا كان أرقى منه في هذه الأمور

والأمثلة على ذلك كثيرة في مختلف مراحل التاريخ. فلغة شعوب (الباسك) قد أخذت تنهزم

<<  <  ج:
ص:  >  >>