للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

جيش ابن معاوية الثائر بفارس وبين جيش ابن هبيرة أمير العراق؛ وإذاً يكون سلمان ابن هشام قد فارق هذه الحياة قبل قتله المزعوم على يد أبي العباس بنحو أربع سنوات على اقل تقدير. وإذاً لا يمكن أن ينسب من هذه الحوادث إلى أبي العباس إلا حادث واحد فقط هو مقتل ابن هبيرة، وحتى هذا لا يعدم عند تدقيق النظر توجيهاً وتأويلاً. فقد كان ابن هبيرة زعيماً عربياً قوياً، وكان له حزب عربي عظيم في مدينة واسط، وكان أبو العباس يعتقد أنه يرقب الأمور، ويتربص الدوائر ليثب وثبة ترد عليه ما ضاع منه، فرأى أن يعالجه قبل استفحال شأنه

ولما لم يجد الأستاذ الصعيدي من حوادث القتل ما يصح أن ينسبه إلى أبي العباس رأساً أخذ ينحله جرائم غيره، فزعم انه هو الذي قتل تسعين من بني أمية كانوا على مائدته بتحريض سديف الشاعر؛ مع أن هذا الحادث الفظيع إنما كان بفلسطين وهو المعبر عنه في تاريخ الطبري بيوم أبي فرطس، والمسئول عنه هو من غير نزاع عبد الله بن عليّ وحده. بل إن الأستاذ الصعيدي ليجعل أبا العباس مسئولاً عمن قتل عبد الله بن علي بالشام وداود بن علي بالحجاز وسليمان بن علي في البصرة، لأنه هو الذي (سلطهم) على بني أمية في البلدان المذكورة. وهذه قصة الذئب مع الخروف معادة بشكل آخر. ولست أدري على أي مسدر يعتمد الأستاذ في دعاه هذا (التسليط) فالمصادر لا تذكر إلا لفظ (التولية) على تلك البلدان. والتولية ليس معناها (التسليط) بطبيعة الحال. ثم أين عدالة الإسلام وأدب القرآن الذي يقول (كل نفس بما كسبت رهينة) (ولا تزر وازرة وزر أخرى)؟ وأين مبدأ شخصية الجريمة العقوبة وهو من الإصلاحات العظيمة التي جاء بها الإسلام، وكانوا في الجاهلية ربما أخذوا القبيلة كلها بجريرة فرد واحد منها؟ الحق أن أبا العباس كما بينت في مقالاتي السابقة كان مغلوباً على أمره لأبي مسلم بالمشرق ولعمه عبد الله ابن علي بالشام، ولو رجع الأستاذ الصعيدي إلى تاريخ الطبري وقرأ فيه سيرة أبي العباس لتبين له ذلك بأجلى بيان، فلعله فاعل إن شاء الله

وقد بلغ من الحرص الأستاذ الصعيدي على اتهام أبي العباس أن وقع في تناقض عجيب حقاً. فقد كتب في مقاله الثاني يقول: (ولقد كان له (أي لأبي العباس) سفاح آخر نسيه المؤرخون، ولم يكن بأقل من عبد الله سفكاً للدماء.

<<  <  ج:
ص:  >  >>