للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[من وحي الفوضى]

الدكتور مبارك يناظر

للأستاذ شكري فيصل

منذ أيام وقف الدكتور (زكي مبارك) يناظر الأستاذ (لطفي جمعة) في موضوع: (يزدهر الأدب في عصور الفوضى الاجتماعية). وكان طبيعياً أن يؤيد الدكتور المبارك هذه الفكرة وأن ينتصر لها، ويدافع عنها؛ ويجرد حملاته على خصومها ويسوق عليهم القوى والهجمات من منطق العقل ومنطق العواطف

وقد ود الناس لو سمعوا الدكتور خطيباً يرتجل حججه وسط هذا الحماس المضطرم، وينتزع آراءه من قلب هذا التيار العاصف، ويمتع سامعيه بلفتاته الذهنية البارعة. ولكن الدكتور زهد - كما يقول - في البراعة الخطابية، فانصرف عنها، وأوى إلى قلمه في ساعة من ساعات الفوضى والاضطراب فكتب خطابه في دائرة محدودة وصفحات معدودة ونهج بيّن

وكان هذا في الواقع صدمة شديدة الأثر. . . تناثرت معها أماني وأحلام. فالناس يعجبهم من هذه المناظرات أنها متعة من متع الفكر، يستفيق فيها الحس؛ وستفتح معها الذهن وتضطرم فيها الحياة، وتنبثق في خلالها المعاني والخطرات كما ينبثق الماء الثر فإذا هم - هذه المرة - في نطاق من الفكر، وفي مدى من الجدل، وفي مجال ضيق قد رسمت فيه الخطوط، وعينت الاتجاهات وصدرت عن أصل مكتوب

ولئن فات الناس أن ينعموا ببراعة الدكتور الخطابية التي زهد فيها، فقد عوضهم أن يروا نظراته المزدوجة (المتفلسفة) من فوق عينه

وأنا أشهد يا سيدي الدكتور أنك استطعت أن تأسر الناس، وأن تأخذهم بالإعجاب بك، والتصفيق لك، والانسياق معك في هذه الوديان المترعة بالحسن التي حملتهم إليها، وهذه الربوع المليئة بالجمال التي دفعتهم نحوها. . . وتلك الأجواء العبقة التي حلقت بهم فيها. . .

ولقد حدثتَ يا سيدي حديث العواطف الثائرة والشعور الطاغي والقلب الذي كونه النار والصدر الذي اضطرم فيه اللهب. . . وسمعك الناس تقرأ لهم صفحة من بلائك بالدنيا،

<<  <  ج:
ص:  >  >>