للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الاجتماع اللغوي]

صراع اللغات

للدكتور علي عبد الواحد وافي

مدرس العلوم الاجتماعية بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول

ذكرنا في المقالين السابقين أن عوامل الصراع بين اللغات يرجع أهمها إلى عاملين: أحدهما أن ينزح إلى البلد عناصر أجنبية تنطق بلغة غير لغة أهله، وثانيهما أن يتجاور شعبان مختلفا اللغة فيتبادلا المنافع، ويتاح لأفرادهما فرص للاحتكاك المادي والثقافي. وقلنا إن نتائج هذا الصراع تختلف باختلاف الأحوال: فتارة ترجح كفة إحدى اللغتين المتنازعتين فتصرع اللغة الأخرى؛ وتارة تتكافأ قواهما أو تكاد فتعيشان معاً جنباً لجنب

ثم عرضنا للحالات التي يحدث فيها تغلب إحدى اللغتين على الأخرى. فذكرنا أنها ترجع إلى أربع حالات: اثنتان منها تتصلان بالعامل الأول (نزوح عناصر أجنبية إلى البلد) واثنتان تتصلان بالعامل الثاني (مجاورة شعبين مختلفي اللغة). فأما حالتا العامل الأول فهما:

١ - أن يكون كلا الشعبين همجياً قليل الحضارة منحط الثقافة، ويزيد عدد أفراد أحدهما عن عدد أفراد الآخر زيادة كبيرة. ففي هذه الحالة تتغلب لغة أكثرهما عدداً سواء أكانت لغة الغالب أم المغلوب، لغة الأصيل أم الدخيل؛ على شريطة أن تكون اللغتان من شعبة لغوية واحدة أو من شعبتين متقاربتين: كما كان شأن الإنجليزية مع النورماندية

٢ - أن يكون الشعب الغالب أرقى من الشعب المغلوب في حضارته وثقافته وآداب لغته، وأشد منه بأساً، وأوسع نفوذاً. ففي هذه الحالة يكتب النصر للغته، فتصبح لغة جميع السكان، وإن قل عدد أفراده عن أفراد الشعب المغلوب؛ على شريطة أن تدوم غلبته وقوته مدة كافية، وأن تقيم بصفة دائمة جالية يعتد بها من أفراده في بلاد الشعب المغلوب، وأن تمتزج بأفراد هذا الشعب، وأن تكون اللغتان من شعبة لغوية واحدة أو من شعبتين متقاربتين: كما كان شأن اللاتينية مع لغات كثير من الأمم التي تغلب عليها الرومان في العصور القديمة؛ والعربية مع لغات معظم الأمم التي تغلب عليها العرب في العصور

<<  <  ج:
ص:  >  >>