للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تحريفه والخطأ على صورته. . . إلى غير ذلك من الدقة والأمانة في إعطاء القارئ صورة كاملة في نسخة واحدة من الكتاب المطبوع - لعدة نسخ مختلفة متباينة من الأصول المخطوطة. حتى إنهم ليثبتون في (الهامش أو الاستدراك) ما هو خطأ بين لا يصح على وجه من الوجوه، وإنما هو جهل ناسخٍ وإفساد كاتبٍ، ثم لا يعطونك رأياً يرجحون به لفظاً على لفظ. . . وحتى إنهم ليثبتون الخطأ الصرف في صلب الكتاب ويكون صوابه في الاستدراك، وحجتهم في ذلك أنهم يعتمدون أقدم النسخ عندهم، يطبعونها كما هي، وأما اختلاف سائر النسخ فهو من حق المستدرك وإن كان هو الصواب الذي لا صواب غيره

وهذا - على علاته - عمل جيد وأمانة صحيحة. ثم جاءتنا هذه المطبوعات في بلادنا على فترة جهل وإهمال، وعلى زمن كل أصحاب المال الذين ينشرون الكتب فيه، إنما هم عامة لا يعنيهم إلا الربح من طبع الكتب حروفاً قد جمع بعضها إلى بعض على غير نظام ولا تحرير ولا فن؛ فلما قارن بعضنا هذا بهذا ونحن عرب وهم أعاجم لا يعنيهم من عربيتنا ما يجب أن يعنينا - انبثق بثق الفتنة، ومجد الناس همة هؤلاء المستشرقين الأعاجم - وحق لهم - وجعل جماعة ممن لبس عليهم يدفعون القول بعد القول في تعظيمهم والمغالاة فيهم بغير الحق. . . ثم مضى ذلك وانسحب التبجيل على آرائهم في الفكر الإسلامي والتاريخ العربي كما انسحب على أعمالهم في نشر الكتب. . . وأين هذا من ذاك؟

ثم انبثق بثق آخر، فظن بعض المغالين أن المذهب الذي سلكه المستشرقون في التصحيح، هو المذهب لا مذهب غيره، وجعلوا ينعون على من يخالفهم من أصحاب اللسان العربي في طريقة نشر الكتب العربية. ومع ذلك فهم على الحق في بعض ما يقولون، ولكنه ليس كل الحق؛ فإن المستشرقين لم يذهبوا هذا المذهب، ولم يقفوا هذا الموقف من اختلاف النسخ، إلا لعجزهم عن ترجيح بعض الكلام العربي على بعض، وذلك لعلل بينة: أولها جهلهم بالعربية على التمام، فإن تمام العربية هو السليقة التي لا تكتسب، كما أن تمام الإنجليزية والفرنسية هو السليقة والنشأة والاندماج في الوسط الإنجليزي أو الفرنسي من بدء المولد والحضانة؛ والثاني أنه قلما يوجد فيهم المتخصص في فقه علم بعينه حتى يكون حجة فيه، اللهم إلا أن تكون الحجة - عندهم - في جمع نصوص كثيرة في موضوع واحد من كتب شتى، ولكنهم لا يدعون أبداً أنهم أصحاب رأي في البيان والتأويل والترجيح

<<  <  ج:
ص:  >  >>