للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والريف البعيد يا آذار!. . . هل انتفض من نومه العميق. . . وهل فتح أهلوه أبواب دورهم بعد أن سدتها الثلوج، فحالت بينهم وبين الخروج. . . فظلوا في حصار الطبيعة شهراً أو بعض الشهر لا يغادرون هذه المدافئ المبنية في زاوية من زوايا الغرفة. . . وهل بدءوا حياة الربيع الوادع. . . يتفقدون زرعهم الذي دفنوه في الأرض، ووكلوه إلى الله، وانتظروا موسم حصاده؟!

وهل خرج أطفالهم يتسابقون في طرق القرية، ويتسلقون قمم الجبل؛ ليظفروا بالثلوج المتجمدة. . . يتراشقون بها، ويتزحلقون عليها، على طريقتهم الساذجة الأولية؟!. . .

. . . وفتيات القرى يا آذار!. . . هل انتصبت قاماتهن؛ بعد أن حناها الشتاء؛ في طريقهن إلى ماء القرية، يستقين منه، وقد علتهن الجرار، ولثمت خدودهن هذه النسمات العليلة؛ وعبثت بخمرهن؛ فحركتها ذات اليمين وذات الشمال. . . واجتمعن حول الورد ينشدن في همس خفيف، وتمتمة ناعمة، ويتحدثن حديث القرية وضيوفها ومواسمها وأعراسها. . .؟. . .

وحديث الجبال يا آذار!. . . هل اتشحت بوشاحها الأخضر الزاهي؛ وهل نبتت فوق تربتها هذه الحشائش القصيرة، على أنقاض الثلوج، وبقايا السيول. . . وهل خرجت القطعان تسرح في شعاب هذه الجبال؛ وفي صعابها؟. . . وهل سمعت يا آذار. . . أصوات أجراسها حين تتضيَّف الشمس إلى الغروب. . . وتنسحب غلائلها على صفحة الأفق الوردية. . . وتتراءى صفحة السماء رائعة جميلة. . . وتظهر الشمس كدائرة من النار الملتهبة، تغطس في بحر الظلام فيخمد لهبها ويطفأ نورها، وتمَّحى شعاعاتها من السماء. . . فتبكيها هذه القطعان. . . بأصوات أجراسها الحزينة؛ وتلتفت لتعود إلى القرية. . . في جنح الليل، وستار الظلام. . . والرعاة، يا آذار. . . هؤلاء الذي شرفهم الله، فجعل منهم الأنبياء. . . هل تسلقوا الجبل مع قطعانهم، وحملوا مزاميرهم في أيديهم، ووقعوا عليها نشيد الحياة الهادئة التي تتعالى عن الأرض، فلا تعرف المكر والغل. . وتتقرب من السماء، فلا تعرف إلا الإيمان والنور والحق. . . وهل أنصت إلى نغماتهم الحلوة يا آذار التي يرسلونها في هذه الوحدة كأنها وحي السماء، ونغمة الكون المتسقة، فتنتقل أصداؤها في الجبال مع خفقات الريح. . . ويلقنها الطير ليذهب يرتلها على الناس في الوديان

<<  <  ج:
ص:  >  >>