للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تلبسها في رقبتها. إنها كثيرة جداً يا ألي، إنها كلاب حقيقية، لقد سمعتها تنبح مثل كلابنا تماماً. تعال يا أبي نطلب من هؤلاء الرجال طعاماً من الذي وضعوه الآن لهذه الكلاب، إنني رأيتهم يحملون آنية كبيرة وفيها الثريد وعليها الحم ودخان الثريد يتصاعد في الفضا، اللحم هنا يا أبي كثير جداً، لقد سممته بأنفي ورأيته بعيني. قم يا أبي، قم ولا تنم إن الدنيا هنا جميلة والأكل كثير. . .

تناثرت هذه الكلمات - في لهفة - من فم فاطمة الصغيرة وأطرق أبوها عند سماعها ما شاء الله أن يرق، ثم حاول أن يصرفها عن ذكر هذا الذي رأت بمختلف الأحاديث ووعدها أن يقوم بعد قليل ليحضر لها الطعام

أما هذا القصر فهو قصر (عظيم) من عظماء العاصمة بناه في ضاحيتنا النائية ليقضي به بعض أيام الشتاء. وقد ورث عن أبيه العظيم مالاً وعقاراً وضياعاً. وكان مما نزعت إليه نفسه أن ينتقي أكبر مجموعة من كلاب الصيد وكلاب الحراسة وكلاب الزينة فاجتمع لدينه منها ما يزيد على المائة. وقد عني ببناء أوْ جرة نظيفة مفروشة تأوي إليها هذه الكلاب، وجعل لها غذاء في اليوم خمسين أقة من اللحم!!!

ورأت فاطمة الصغيرة ما رأت - وكان الجوع والإعياء قد فعلا بها فعلهما - فعادت إلى أبيها - في براءة الطفولة الغريرة - تستحثه على النهوض ليطلب لها من خدام الكلاب لحماً وثريداً مما يحملون. . .

أما أبوها الضرير فقد ظل مكانه مطرقاً، وأما وحيدته الجائعة فلم يستقر لها من الجوع قرار. . .

- ٦ -

تركت الطفلة أباها في إطراقته الحزينة، وتسللت من جانبه نحو سور الحديقة، وكان الحراس والخدم لا يزالون يحملون اللحم والثريد إلى الكلاب. . . وطغى الجوع على الإنسانة الصغيرة وسال لعابها، فاندفعت من بين القضبان دخل السور الحديد، وعدت إلى قصعة من القصاع، فمدَّت إليها يدها تأخذ قطعة من اللحم، ولم تكد الجائعة الضاوية تمد إلى الحم يدها، حتى أطبق عليها كاب ضار من كلاب الحراسة، فأعمل أنيابه الحادة في بطنها، فتفجر دمها الإنساني وخرجت أمعاؤها. . . ودّت في الفضاء صرخة واحدة وصلت إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>