للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[بابر]

للدكتور عبد الوهاب عزام

(بقية ما نشر في العدد الماضي)

- ١ -

لم تخضع الهند لبابر بعد موقعة بانيبات فقد بقي أخو السلطان إبراهيم مطالباً بالملك والبلاد كارهة غارة بابر، وكثير من المدن والقلاع متأهبة للدفاع، وكادت جيوش بابر تهلك جوعاً على كثرة ما بأيديها من الغنائم، وزاد حالتهم سوءاً شدة الحر. نقرأ في بابرنامة هذه السطور: (لما جئت إلى اكركان وقت الحر وكان الناس قد فروا من الخوف فلم نجد حبَّا لنا ولا علفاً لدوابنا، وكانت القرى قد نهبت إعناتاً لنا وكراهية فينا، وأفسدت الطرق. . . إلى أن يقول: (وكان الحر هذه السنة أشد من المعتاد، وكثير من الناس سقطوا كأنهم أصيبوا بالسموم وماتوا في مواضعهم) شرعت جيوش بابر تتذمر كما تذمرت جيوش الاسكندر حينما فتح الهند من قبل، وهموا بالرجوع إلى كابل وقد ذكرهم هذا الحر هواءها البارد؛ فجمعهم بابر وذكرهم أنهم تحملوا ما تحملوا وقاسوا ما قاسوا من أجل هذه الغاية التي بلغوها اليوم: (إن عدواً قوياً قد هزم وإن تحت أقدامكم مملكة عظيمة، فهل نترك كل ما كسبنا بعد أن بلغنا الغاية التي سعينا إليها ونفر إلى كابل كأننا جيش مهزوم مطارد؟ من كان يزعم أنه صديقي فليقلع عن هذه الوساوس. ومن لم يستطع أن يقسر نفسه على البقاء فليذهب). وخجل الجيش فلم يحر أحد منهم جواباً

وجاهد بابر لتهدئة البلاد بالرغبة والرهبة، ولم يكن له بد من لقاء عدو هو أكبر الأعداء في الهند. ذلكم رأنا سانجا زعيم الأمراء في رجبوت، قد جمع مائة وعشرين قائداً وثمانين ألف حصان وخمسمائة فيل، وأيده أمراء آخرون وجاءته الجيوش من أرجاء مختلفة

وخرج إليه بابر سنة ٩٣٤هـ (١١ فبراير سنة ١٥٢٧) بعد سنتين من موقعة بانيبات وهي أول مرة يتقدم فيها لحرب عدو من غير المسلمين. وعسكر بابر عند سكري التي سميت فيما بعد فتح بور، وبنى فيها جلال الدين الأكبر قصوراً عظيمة وظل خمسة وعشرين يوماً يحصن معسكره وينشر السكينة في قلوب قومه وقد ملكهم الرعب مما سمعوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>