للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[فلسفة الكون عند إخوان الصفا]

للأستاذ أديب عباسي

خلق الكون - خلق الإنسان - غاية الوجود - معنى البعث - العقاب الذاتي

في رأي الإخوان أن الكون وما فيه من أجرام وأفلاك سماوية وأحياء وكائنات أرضية مشتق جميعاً ومنبثق من الله، ولكنه انبثاق متسلسل غير مباشر، وأول ما انبثق منه هو العقل الكلي أو القوة الإلهية

المؤيدة للنفس الكلية، ثم النفس الكلية السارية في جميع الأجرام السماوية والأحياء الأرضية. وهذه النفس الكلية هي بطبيعة الأمر أحط من العقل الكلي، لأنها منبعثة منه، ولأن وجودها متوقف عليه. (ولهذه النفس الكلية قوتان ساريتان في جميع الأجسام: إحدى قوتيها علاَّمة، الأخرى فعَّالة. فهي بقوتها الفعالة تتم الأجسام وتكملها بما تنقش فيها من الصور والأشكال، وبالقوة العلامة تكمل ذاتها (أي النفس الكلية) بما يظهر من فضائلها من حد القوة الكامنة إلى حد الفعل).

ويرى إخوان الصفا أن ظهور الإنسان نتيجة لرغبة النفس الكلية في الحصول على المعرفة التامة التي هي من صفات العقل الكلي. ولهذا فان هذه النفس الكلية تنزل إلى الأرض وتنتشر على سطحها بهيئة أنفس جزئية. إلا أن هذه الأنفس لا يمكنها أن ترقى إلى مستوى العقل بدون معونته وإرشاده. ومن أجل هذا ينزل العقل إلى الأرض، فيساعد النفوس إذ يحل فيها ويظهر بهيئة العقول الإنسانية. بيد أنه لما كانت النفوس دائمة التغير كثيرة التحول وكان العقل ثابتاً لا يعتريه النقص أو يعتوره التغير أصبح العقل يحل في هذه الأنفس الجزئية حلولا متعاقبا. وهو عند هذا الحد من الحلول يدعى العقل الناطق. وهي الذي يرسل الأنبياء ويبعث الرسل ليؤدوا رسائله إلى العالم أما النفس الكلية فهي إذ تحل في الأجسام بشكل أنفس جزئية تأخذ على عاتقها تفسير ما عمى على الناس فهمه وغاب عنهم علمه من رسائل هؤلاء الأنبياء والرسل.

فإذا أحسنت هذه الأنفس الجزئية الاسترشاد بنور العقل وأفسح لها البقاء زمناً كافياً تنال فيه حظا وافياً من فنون الحكمة والتهذيب تضحي أهلا للاتحاد بالنفس الكلية. وإذا حمُ القضاء انطلقت هذه الأنفس من أجسادها (التي هي بمنزلة الرحم للجنين) وعند ذلك ترتقى إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>