للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في تلك الفنون. . .!

وتلقت قدرية بعد الدرس الأول دروساً كثيرة، في المسرح والسيما، والصحف، والكتب؛ وما نسيت مع كل أولئك شيئاً مما رأت في تلك الليلة التي كانت. . . لقد استقرت في أعماقها أصداء الهتاف والتصفيق الذي سمعت ليلتئذ. . . ورنين كلمات الإعجاب والرضا التي وعتْها أذناها، وصورتها بين الأشعة الملونة تنسكب عليها من جوانب المسرح وتحت قدميها أكداس الزهر. . . وبقي كل أولئك في نفسها مشهداً حياً كأنها ما تزال بين أشعته وألوانه، فإنها لتجد لتذكُّره لذة فنية تحبب إليها حياتها وتجدد لها في كل يوم أمانيها. . .

وانتهى عهدي بقدرية وانتهى عهدها بي؛ فقد أتمت دروسها بالمدرسة ومضت لشأنها؛ وتصرمت سنون. . . ونسيت أمرها وما كان. . .

. . . وفي ليلة من ليالي الصيف الماضي، دعوت أهلي إلى سهرة في بعض ملاهي الإسكندرية؛ قصدَ التسلية والرياضة. ووقفتُ بباب الملهى العائم بين الأمواج المصطخبة، أقرأ البرنامج المنشور على الباب وأشاهد الصور؛ ورأيت صورة، فهجس في نفسي هاجس لم يلبث أن تلاشى. . .

ودخلنا، واتخذنا مقاعدنا على مقربة من المسرح. . . ومضت لحظات، ثم رن الجرس ورفعت الستارة؛ وتتابعت المشاهد فنوناً توقظ الفكر وتجلو صدأ النفس وتُسري عن الهموم؛ وفجأة برز أمامي مشهد رائع. . . يا لله. . .! من كان يظن. . .؟ هذه تلميذتي قدرية!

وبدت لي في مثل هيئتها التي رأيتُ أول مرة على المسرح الكبير في القاهرة منذ سنوات. . .

ثوب منفوش، كأنما اجتمعت أجزاؤه من أوراق الزهر، يكشف عن ساق ممتلئة مصقولة، كأنما يجري فيها شعاع الشمس، وانحنت في رشاقة وخفة، وهي تنثر ابتساماتها يمنة ويسرة، ترد تحية بتحية، والمسرح يضج بالتصفيق والهتاف باسمها الجديد الذي سمعتُه لأول مرة في تلك الليلة. . .

وغنت ورقصت، وضحكت وبكت، وتأمرت ثم ذلت، واستعطفت ثم دلت، ووعدت ثم تأبت، ومنعت ثم نولت. . .

وقالت عيناها. . . وقالت عيون الناس. . . وقالت لي نفسي. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>