للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على الرسالة فقرأتها في دقائق مع أنها تبلغ الثمانين من الصفحات

فماذا رأيت؟

رأيت رجلاً يكرم زوجته فيصف جمالها الفتان بعبارات صريحة فقلت: هذا أديب يضيف ثروة جديدة إلى اللغة العربية، لأن الحلائل في لغتنا لم يُبكين إلا قليلاً، وهنَّ أجدر مِن المعشوقات بالبكاء

ورأيت رجلاً يعتز بنفسه فيصرح بأن جمال امرأته كان يحتاج إلى فتى في مثل رجولته، فقلت: هذا أديب فيه سمة من فتيان قريش

ورأيت رجلاً يبلغ به الحزن على زوجته الغالية إلى التفوه بعبارات هي أفظع ما يكون من الكفر الموبِق، فقلت: هذا أديب يغلبه الحزن فيخلع قناع التأدب مع الشرائع

والأديب الحق يستبيح في عتاب الأقدار ما لا يباح

والأدباء كأهل بدر تغفر لهم جميع الذنوب، وستعرفون صدق ما أقول يوم نلتقي في حضرة الواحد الديان، إن كان من الممكن أن يكون لأعداء الأدب مَعاد، وإن جاز أن يُنصب لأعداء الأدب موازين يوم يقوم الحساب، وهم في شِرعة العقل من المهملات وسوف تعلمون مصايركم يا أعداء الأدب الرفيع!

السكاكيني مبتكر في بكاء حليلته لأنه أديب حق، وقد كفر من أجلها كفراً هو صورة من الإيمان الصحيح. وبعض الكفر إيمان، ولكن أكثر الناس لا يفقهون!

والسكاكيني يعجب من أن ينكر الناس البكاء، ويقول إن مقاومة البكاء إفساد للفطرة، ويدعو المحزونين إلى تنفيس كروبهم بالنوح والأنين كما كان يصنع القدماء

قال السكاكيني في بكاء زوجته كل شئٍ، والمفارق يقول ما يشاء وما أصيب الفراق!

يلطف الله بك ياخليل، ويلطف بأبنائك المفجوعين بفراق أمهم الغالية!!

وكيف خطرتُ في بالك، ياصديقي، بعد فراق الأعوام الطوال؟ أتريد أن آسى لأساك، وأشجى لشجاك؟

إن كان ذلك ما أردتَ فقد حزنتُ لحزنك حتى خفتُ أن أصبح عاشقاً لذلك الحسن المكنون الذي أمسى في وديعة التراب أتريد أن أعرف أنك كنت زوجاً لامرأة جميلة كان يقتتل في سبيلها الخاطبون؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>