للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجعجعتهم!

إن من بين شعرائنا من هم إذا كلفوا بشيء آخر كلفهم بالشعر، لجاءوا بالعجب العجاب ولب اللباب؛ ولكنك إذا ذهبت تصارحهم بهذا رأيتهم هاجوا وماجوا، كأنك تريد أن تسلبهم أرواحهم! ومن العجيب أنك لا تلبث أن تسمع منهم من يقول في غطرسة وكبرياء: (أنا المجلي وغيري نابع تال). . .

وآخر يقول:

قد صرت وحدك في الملو ... ك وصرت في الشعراء وحدي

وثالث يقول:

لولا غنائي وشعري ... لمات روح الوجود

وهكذا وهكذا تسمع ما يؤلم قلبك. . . ويشجي روحك!

إذن يجب علينا أن نفرح بظهور الشاعر الحق فرحنا بظهور الوليد الجديد، ويجب علينا أن نحبه ونقدره ونجله؛ وما حبنا وتقديرنا وإجلالنا، إلا حب وتقدير وإجلال للحق والخير والجمال وهي القيم المنشودة التي تسعى إليها البشرية وتبحث عنها في جميع أطوارها ومراحلها. وشاعرنا المحظوظ (علي طه) هبة سماوية أطلعتنا على آفاق جديدة فيها جمال وخير وفيها أحلام وآمال. . .

قلت إن شاعرنا محظوظ، وأنا أقصد بهذا أنه يحيا حياة شعرية مليئة بالأفراح واللذات، مترعة بالأحلام والمغامرات. فليس فيها آلام ولا أحزان، وليس فيها أهوال ولا شكوك، ولا تردد ولا حيرة. . . وأنت لو فتشت في ديوانه كله ما عثرت على بيت واحد يشعرك أن هذا الشاعر مرت عليه أوقات فيها تنغيص وفيها ألم، ولكنك تعثر على أبيات كثيرة فيها اللذة السامية، وفيها النشوة السارية، وفيها الفرح الشامل. . .

هو اليوم في مدينة (فينيسيا) عروس الأدرياتيك حيث الجمال والحسن المشاع، وحيث الجنادل المزدانة بالمصابيح الملونة والضفائر الوردية. فلا يلبث أن يوحي إليه هذا الجو الفاتن أنشودة (الجندول) الموسيقية الرائعة الرقيقة الخالدة. . .

وهو اليوم في (بحيرة كومو) التي جذبت إليها كثيراً من الشعراء فألهمتهم أرق أشعارهم وأعذب أغانيهم؛ فلا يلبث أن تلهمه أنشودة بارعة، ويهديها إلى صديقة أمريكية كانت

<<  <  ج:
ص:  >  >>