للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لا نعرف آلام الحياة، ولا نفقه مصاعب الدنيا، ولا ندرك من هذا العالم إلا جنة المدرسة ونعيم التلميذة وصفاء القلب. . . فكنت تلقانا بالرعاية، وتصلنا بالعطف، وتفيض علينا ألوانا من الحنان. . . فعرفتُ فيك الأخ البر، وقد حرمتْني الحياة من نعيم الأخوة. . . وأفضيت إليك ذات يوم بكل ما في نفسي. . . بكل ما يموج فيها وما يضطرب عليها. فكنتَ بعدُ كثير السؤال عني إن غبت، كثير العناية بي إن حضرت، واقترنت صورة أخيك في ذهنك إلى صورتي فجعلت منهما إنساناً واحداً تضمر له أنبل الشعور وأصدق العاطفة. . . ثم كانت إرادة الله فانصرفت أنت إلى بغداد، ومضى هو إلى باريس، وسعيت أنا إلى القاهرة. وبقي (ناجي) وحده في دمشق يرعى فيها عهود الصبا ومراتع الأنس، ويمدنا منها بالروح والريحان

وفي خلال هذه السنوات كنت أتعرف إلى نفسك الكبيرة وكان يتفتح لي منها آفاق وعوالم، ولقد أكبرت فيك هذا الجلد وهذا الصبر. . فما بالك تشكو اليوم، وتنفث هذه الشكاة على حين احتملت من قبلُ الأهوال والمشقات، ضاحك السن، منطلق الوجه، لا تأبه ولا تهتم؟ ولكن سامح الله قاسيون، وهذه السهول المنطلقة عند قدميه يدغدغها النسيم فقد شجتك واستثارتك. . .

. . . وهل كانت الأولى هذه العماية عن الأدب، وهذا الإهمال للعلم، وتلك الرعاية للجهلاء؟ وهل كنت تأمل من هؤلاء الذين عاشوا في الظلام أن يدركوا النور، وأن يفتحوا عيونهم له، وأن يغفلوا عن الوحي (الأرض) الذي يسيرهم في كل ناحية، ويمضي بهم في كل اتجاه؟ وماذا كان حديثك لنا حين كنت تبعث فينا حمية الأدب، وعقيدة العلم، إلا أننا سنصادف غداً في معترك الحياة هذا الإنكار وهذا الجحود. وأنه يجب علينا أن نصبر عليه ونصمد له ونمضي في مقاومته، وأننا سنحمل في أيدينا مشاعل الدعوة الكبرى التي تريدنا دمشق أن ننهض بها، وستصيب النار المقدسة من أجسامنا فتكوى أكفنا وتنثر الشر على أجسادنا وتنالنا بما تنال به جنودها المخلصين من الامتحان والابتلاء. . . فلا يجب علينا أن نتخلى عنها، لأنها دعوة الحق والصدق والخير تريد أن تنبعث من جديد في دمشق لتعم الدنيا، وتبهر العالم

إن دنيا الأديب لن تخلو من أنماط من الجحود. . . هكذا قلت لنا. . . وإن رسالته لتصادف

<<  <  ج:
ص:  >  >>