للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لم أدر ما حدث بعد ذلك ولكنه خبرَّني. قال وهو يعيد الذكرى على سمعي:

. . . لم أستطع أن أواجه أعين الناس. وحنقت على نفسي أشد الحنق، وأحسست أن الدم قد تصعد وفـ. . .

وأمسكت عنان عن حديثها بغتة لأنهن لفتن نحو الباب ففوجئن - ما عدا عنان - برجل يقتحم عليهن فألفينه شاباً موفور الشباب رائع الرجولة، فجأت رجولته أنوثتهن فتمنَّيْنَه، وثار عليهن نقصهن فغبطن عنان التي وجدت كمالها

ونهضت تقدمه لهن وتقدمهن له، فرحب وهو يبتسم ويجلس جنب عنان جلسة يزحمها بها، كأنما يعاود على فؤاد منها ذكرى اللقاء الأول والقبلة الأولى. فتضاحكن من ظرفه ومن جِلسته ثم اندفع هو مستطرداً كأنه الذي كان يتحدث:

- لقد حنقت على نفسي وأحسست الدم. . .

فشرعت فيه عنان عينيها، فغضَّ، فقال:

- من غير إذن. . .! ثم من أدراك أنهن يسمعن لك؟

فقال: من التوفيق وحسن الحظ أنني أقبلت حين بدأ الحديث يكون عني، أعني في شأني، فأنت التي يجب أن تنأذني، لأن الذي حنق هو أنا، ودمي أنا - لا دمك أنت - هو الذي تصعد في وجهي وفي قنة رأسي فجعل يخزني كأن إبراً تتوالى على صفحة وجهي وفي هامتي، فجعلت أتحسس مواضع الوخز وأنا مطرق لا أجسر أن أرفع، ولكني عدت فاختلستها - وهي مطرقة مثلي - فرأيت الوجه الجميل قد تورد كله. ثم تجمع ورده وزكا في الخدين فوهجا وأضاءا. فسلبتني روعة حياءها قسوة حيائي. فلم أعد أحفل بالناس، إذ لم يعد في وسع عيني ولا في أقطار نفسي سواها

ثم تكشفت على فؤادي من عينيها - لحظة شرعتهماُ فيَّ - فتنة جديدة أشد وأروع كانتا مسبلتين فنجلتهما في، فكأنما - والله - سلت الأهدات الطَّوال المشرَعة في كبدي فسيَّلتها!

لم أستطع أن أحتمل أكثر من ذلك. فهامستها - من غير وعي وأنا لا أعرفها - أن من الأوفق أن ننزل. . .

فقطعت عنان حديثها قائلة في تتايه ودلال:

- كنت وإياها كوسيط مسحور يصرفه المنوم كيف شاء - فقال أأذنت لك أن تقاطعيني.

<<  <  ج:
ص:  >  >>