للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[النقد الرخيص]

للأستاذ محمد محمد المدني

لا شك أن النقد أمر لا بد منه في قضايا العلم والبحث، وأنه ما دامت العقول المفكرة، والأقلام الكاتبة، فلا بد أيضاً من الآراء المتضاربة!

ذلك أن الناس يختلفون فيما يصدرون عنه اختلافاً شديداً تبعاً لاختلاف حظوظهم من العلم والعقل والتفكير ودرجة التأثر (بالعرف الطائفي) و (البيئة الخاصة):

هذا كاتب يستطيع - حين يعالج موضوعاً من الموضوعات - أن يخلص للحق فيه أكثر من إخلاصه لأي شيء سواه، فتراه يخلع ما عسى أن يكون له من آراء كونها لنفسه باعتباره عضواً في بيئة خاصة، أو متأثراً بظروف معينة، بل كونتها له هذه الظروف وتلك البيئة من حيث لا يشعر؛ فإذا خلع هذه الآراء وتحلل منها - ولو مؤقتاً - ولم يجعل لها سلطاناً على تفكيره، ولا أثراً في طريقة بحثه، استطاع أن يصل إلى النتيجة التي يبتغيها وهو أبعد من مزالق الخطأ، وآمن من مواقع الهوى!

أما إذا فرض الكاتب على نفسه ثقافة معينة أياً كانت قيمتها فسلم بقضاياها، واطمأن إلى عرفها، واستراح إلى أحكامها، ثم تناول ما يريد من بحث على هذا الأساس؛ فقلما يصاحبه التوفيق أو يصادفه النجاح، لأنه إذا صادفه في أثناء بحثه ما يخالف هذه القضايا التي آمن بها واطمأن مقدماً إليها، نفر منه وضاق صدراً به فاضطرب لذلك ميزان تفكيره واختل معيار منطقه!

ولا تجد شيئاً أضر على العلم، ولا أسوأ أثراً في العقل، ولا أشد إفساداً للرأي، من التعصب وإدخال (الطائفية) في محال البحث والنقاش. ذلك أن العلم والعقل والرأي ليست وقفاً على طائفة من الناس دون طائفة، وليس أحد أولى بأن يزعمها لنفسه من أحد، وليس لمنصف أن يحكم فيها عرفاً دون عرف، أو ثقافة دون ثقافة، وإلا خرج من دائرتها، وتحلل من منطقها!

ومن هنا يأتي النقد، ومن هنا أيضاً تختلف قيمته، فيكون بعضه غالياً ثميناً، وبعضه مبتذلاً رخيصاً. وتختلف كيفيته، فيكون بعضه هادئاً نزيهاً، وبعضه هائجاً سفيهاً! وكل ذلك بحسب اختلاف معينه الذي فاض عنه، أو إنائه الذي نضح به!

<<  <  ج:
ص:  >  >>