للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سيارة، وبعضهم يصور من ذلك ما يقع في عربة تجرها الخيل، أقول إذا كان من الحق أن كرسي البريد وعربة الخيل والسيارة والقطار والزورق والسفينة الشراعية والسفينة البخارية، كل ذلك قد الهم الأدباء في الشعر والنثر والقصص والتمثيل، فما الذي يمنع الطيارة أن تلهم الأدباء في هذه الفنون جميعا، ومن الذي يستطيع أن يزعم أن الطيارة أقل قدرة على الإلهام، وأقل حظا من الفصاحة وسحر البيان من هذه الأدوات التي ذكرناها آنفا. ومن الذي يستطيع أن يزعم أن الأدباء الذين سخروا للأدب كل هذه الأدوات يعجزون عن أن يسخروا للأدب هذه الأداة الجديدة التي تطير بأجسام الناس بعد أن طارت صورتها بما كان لهم من عقل أو خيال.

الطيارة قادرة على الإلهام، والأدباء قادرون على أن ينطقوها رغم أنفها سواء أكان لها أنف أم لم يكن. وتستطيع أن تنظر في الآداب الأوربية الحديثة فسترى أن الأدباء قد أغنوا فنون الأدب وأضافوا إلى ثروته الضخمة ثروة أخرى قيمة حين اتخذوا الطيارة أداة من أدوات القصص. وأنا زعيم بأنك بدأت القصة التي أنشأها الكاتب الفرنسي كيسل منذ أعوام وسماها اكيباج فلن تستطيع أن تدعها حتى تتمها، ولن تتردد في أن تعترف بأنها من خير ما انتج القصص الحديث. وليس لهذه القصة موضوع إلا اختصام جنديين من جنود الطيران في الجيش الفرنسي أثناء الحرب حول امرأة كانت زوج أحدهما فاحبها الآخر وهو لا يعرف زوجها. ثم جمع الطيران بين الزوجين فاحب كل منهما صاحبه حبا عميقا، ثم ظهر لهما أنهما يحبان امرأة واحدة. وصور أنت لنفسك كيف تنتهي القصة، ولكن يجب أن تعلم أن الطيارة هي الأداة التي بها تنتهي القصة والتي عليها تقوم القصة.

وإذا استطاعت الطيارة أن تدخل فن القصص، فما الذي يمنعها أن تدخل في فن التمثيل وأن تلهم الممثلين أو كتاب التمثيل آيات بينات وقد فعلت. وقد بلغت من الإجادة في ذلك أمداً بعيداً حقا، تستطيع أن تقرأ إن لم تستطيع أن تشهد هذه القصة التمثيلية الممتعة التي وضعها الكاتب الفرنسي المعروف فرنسيس دي كروا وسماها أو طيران العرس، فسترى اتقانا في الأداء، واتقانا في العرض، واتقانا في تصوير الصراع بين هذه العواطف الجديدة التي استحدثها الطيران في نفوس الناس لا عهد للأدب بمثله من قبل، وسترى من هذه القصة التمثيلية ومن تلك القصة الأخرى أن الطيران لم يكد يوجد لنفسه بيئة خاصة

<<  <  ج:
ص:  >  >>