للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في توجيه مصاير النمسا الجديدة، فهي التي تولت الحكم على أثر انهيار الإمبراطورية وهي التي عقدت معاهدة الصلح، وكانت أغلبية في الجمعية الوطنية التي وضعت الدستور (سنة ١٩١٩) حيث بلغ عدد النواب الديموقراطيين الاشتراكيين ٧٠ والاشتراكيين المسيحيين ٦٤ والوطنيين الألمان وحزب الفلاحين، وغيرهما ٣٠؛ وقد كان هذان الحزبان القويان القديمان، أعني الديموقراطيين الاشتراكيين، والاشتراكيين المسيحيين، هما اللذان يتنازعان الحكم والسلطان في الجمهورية الجديدة، والحزب الأول يمثل طبقات العمال وأصحاب المهن والحرف وله مثل اشتراكية قوية. والحزب الثاني يمثل أصحاب الأملاك والأموال والفلاحين، ذوي المبادئ والآراء المحافظة، وتغلب عليه نزعة دينية قوية. وقد لبث تيار الديموقراطية الاشتراكية غالبا زهاء عامين، وتولى زعيمها الدكتور رنر رآسة أول حكومة جمهورية في سنة ١٩١٨، ولما أجريت الانتخابات العامة للمرة الثانية خرج الديموقراطيون الاشتراكيون بأغلبية جديدة حيث بلغت كراسيهم ثمانين مقابل ٦١ كرسيا للاشتراكيين المسيحيين وعاد الدكتور رنر فتولى رئاسة الحكم على قاعدة الائتلاف مع الاشتراكيين المسيحيين. وكان الائتلاف يومئذ ضرورة تمليها الظروف العصيبة التي تجتازها النمسا، وكان في كثير من الأحيان ضرورة دستورية أيضا، لأن الأغلبية الحاسمة لم تكن لأحد الحزبين وكان العمل التشريعي يتطلب التفاهم والمهادنة. وفقدت الديمقراطية أغلبيتها سنة ١٩٢٠، وتولى الاشتراكيون المسيحيون الحكم على يد زعيمهم المونسنيور أجناس سيبل، وهو حبر وعلامة في القانون الدولي، ولكن الديموقراطيين الاشتراكيين لبثوا أقلية قوية تناهض الأغلبية وتملي عليها إرادتها في كثير من الأحيان. وكان اكتساح الحزبين القويين للميدان الانتخابي على هذا النحو يحرم الطبقات الوسطى من أن تمثل تمثيلا قويا، ويجعل ميدان النفوذ والكفاح قاصرا على معسكرين يمثل كل منهما ناحية متطرفة من المثل والمبادئ، بيد أن الطبقة الوسطى كانت أكثر ميلا إلى ناحية الديموقراطية منها إلى الناحية الأخرى.

وأنفقت الجمهورية النمسوية أعوامها الأول في معالجة المشاكل التي خلقتها الحرب وفروض الصلح، وشغلت حينا بمسألة النقد وتدهوره. وكان المونسنيور سيبل رجل الموقف، فاستطاع بكثير من البراعة والجلد أن يعالج مشكلة النقد بالالتجاء إلى عصبة

<<  <  ج:
ص:  >  >>