للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هي تغذوه كل يوم غذاء جديداً هنيئاً يملأ روحه قوة وشباباً وعزماً. وجعل إحساسه بسحرها وفتنتها يغلو به في إيمانه بعبقرية أنوثتها الكاملة الجديدة. أجل. . .، إنها أرسلت في دمه الحياة الجديدة، الحياة التي تجدد فكره في أشياء الدنيا، وتستفزه إلى فرض سلطانه على هذه الأشياء.

وكانت هي تنشئ لعينيه في كل يوم بل في كل ساعة دنيا مائجة من فنها البليغ الذي يعبر عن ضميره تعبيراً بليغاً كبلاغة أنوثتها، فانبثقت في عينيه وفي قلبه ينابيع متفجرة من الأحلام الرقيقة والأماني الطائرة، تلك الأماني التي تتنهد دائماً على قلبه بأنفاس الفجر. . .

امتلأت عيناه الحائرتان بأحلام الشباب، وانبعثت القوة المتلهبة بالرغبة، فهو ينظر ثم يندفع إلى أمانيه يريد أن يختطف من السعادة السانحة سنوح الصيد المستطرد، قبل أن تسبقه إليها أنياب الشقاء والألم والبؤس فتفترس منها وتنهش. إنه يريد أن يظفر بسعادته ليتمتع بالحياة بعض المتاع، ولكن يا صديقي. . .، إن هذه الغريزة المتحكمة في الإنسان وفي أعماله - غريزة التمتع بالحياة - هي التي تذهب بالإنسان في القدر مذهباً بعيداً. . . إنها هي التي تجعل الحياة لعيني كل حي، ولكنها هي هي نفسها التي تعمي المحب فلا يبصر تلك القوة السحيقة التي فغرت له أشداقها وأحدت أنيابها، فلا يزال - إلا أن يعصم الله - يتهاوى فيها ما اندفع به إليها هواه

ولكن كيف كان يملك صاحبي إرادته في البصر؟ إنها كانت تعمل أبداً - وهو لا يستطيع أن يدرك - على أن تبقى حبيبة أحلامه ولو قتلنه. نعم إن بعض ضحكها كان يصفق بدلالها كأن أمواج شبابها تتلاطم فيه وتزخر. شبابها. . .!! شباب امرأة جميلة متكبرة معجبة، شباب أنثى تحب، وتريد أن تبقى أبداً محبوبة يهيم في أوديتها المسحورة من يحبها. ومع ذلك فقد كان يجد لما يلقاه منها فرحاً في نفسه، ونشوة في روحه، وعربدة في دمه، كان كالسكران بحبها لا يستطيع شيئاً ولا يملك إلا أن يخضع لذلك السلطان المرح الظافر المبتسم، السلطان العنيف الذي يقبض على روح المحب بحنان طاغ من روح من يحب

وعلى ذلك فإن هذا الرجل المسكين - على عنقه وصلابته وفحولته - لم يجد بدّاً من أن يسلم لها قياد عواطفه التي تصبو صبواتها إلى أناملها الرخيصة الساحرة. كيف يقاوم

<<  <  ج:
ص:  >  >>