للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

استقلال النمسا بيد أنها لم تعارضه بطريقة إيجابية، وكانت تؤيد جانبه الاقتصادي على الأقل، خصوصا وقد كانت الديموقراطية الاشتراكية الألمانية يومئذ صاحبة النفوذ والسلطان في ألمانيا. واتخذت أول خطوة عملية لتحقيق مشروع هذا الاتحاد في سنة ١٩٣١ حيث عقدت النمسا مع ألمانيا اتحاد اقتصاديا جمركيا، وكان المفهوم أنه أول مرحلة فقط، ولكن دول الحلفاء، ودول الاتفاق الصغير، احتجت كلها على هذا الاتحاد بمنتهى الشدة. وانتهى الأمر بسحبه وإلغائه، وأدركت النمسا مرة أخرى أنه لن يسمح لها بالاندماج في الجامعة الجرمانية الكبرى.

وكانت فكرة الاتحاد النمسوي الألماني ما تزال قوية في النمسا حينما تولى الوطنيون الاشتراكيون الحكم في ألمانيا في يناير سنة ١٩٣٣ وأخذوا يعملون لتحقيق برنامجهم، والمعروف أن العمل على تحقيق وحدة الشعوب الجرمانية في مقدمة المبادئ التي يحتويها برنامج الهرهتلر، وليس من ريب في أن ضم النمسا لألمانيا هو أهم عناصر هذا المشروع، وكان المفهوم أن ظفر الوطنية الاشتراكية بالحكم في ألمانيا يقرب أمد هذه الغاية، ولكن سرعان ما ظهرت الوطنية الاشتراكية الألمانية في ثوبها الحقيقي، مسرفة في العنف والطغيان وسرعان ما أخذت الحكومة الهتلرية تتدخل في شئون النمسا وتعاملها بخشونة وغلظة كأنها ولاية تابعة لألمانيا. وهنا أدرك الشعب النمسوي حقيقة لم يقدرها في البداية حق قدرها، وهو أن أنصار الجامعة الجرمانية لا يفهمون من الاتحاد إلا أنه قضاء على كيان النمسا كأمة مستقلة أو بعبارة أخرى ضم النمسا لألمانيا كولاية ألمانية. وشهد الشعب النمسوي في دهشة وسخط كيف تتجنى ألمانيا الوطنية الاشتراكية على النمسا، وكيف يحاول الدعاة الهتلريون أن يضرموا في النمسا نار الحرب الأهلية لكي تقضي على وجودها، وشهدت الديموقراطية النمسوية من جهة أخرى كيف قضى الهتلريون على الديموقراطية الألمانية في غمر من العنف المثير: عندئذ انهارت في الحال فكرة (الاتحاد) (الأنشلوس)، وظهرت للشعب النمسوي في روعة خطرها وخطئها، وقضت حكومة الدكتور دولفوس ومن ورائها سواد الشعب ترد عدوان ألمانيا الهتلرية، وتعمل لحماية الاستقلال النمسوي بكل ما وسعت من جهود.

للبحث بقية

<<  <  ج:
ص:  >  >>