للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أضرار التشجيع]

للأستاذ سعيد الأفغاني

إن من عادتي إذا حل الصيف ونفضت عنى عناء التدريس وذيوله من امتحانات ومراقبات أن أفئ إلى قاعة المجمع العلمي العربي، فأسرح الطرف بما يرد إليها من الكتب والمجلات الغريبة. وكان أن وقع في يدي عدد من مجلة (العصبة) الصادرة في المهجر، فطفقت أطالع فيها، فوقفت عند هذا العنوان (ذلك الأمي اليتيم. بحث أدبي لا ديني) وإذا بالكاتب يسئ فهم النصوص ويغمز الأئمة الذين أجمعوا على أمية الرسول صلى الله عليه وسلم منذ صدر الإسلام حتى يوم الناس هذا، ويعجب من غفلتهم، ثم يتلطف بهم ويعتذر لهم بأن الخطأ أتاهم من حيث إن النبي كان أمياً ثم زالت أميته!

يتساءل حضرته: هل زالت عنه الأمية كما زال عنه اليتم بعد أن تقدمت به السن؟ هل تعلم القراءة؟ (وهو يعني طبعاً القراءة في الصحف التي لا يعرفها إلا من تعلمها مع الكتابة تعلماً). ثم قال: (نجيب بكل جرأة (هكذا والله بالحرف) إنه تعلمها وبز الأولين والآخرين!) انتهى وما شاء الله كان

ويأبى بعد ذلك إلا أن يسرد ما يراه حججاً من مثل: (أنا أفصح من نطق بالضاد)، (أنا مدينة العلم. . .)، (اطلبوا العلم. . .)، (اقرأ باسم ربك الذي خلق)

لست أريد الرد على هذا الكلام ولا أنا بصدد شرح أمية الرسول فمن العبث المخجل أن أشغل القراء بما هو معلوم من التاريخ بالضرورة، وإن مما يفهمه الصغير قبل الكبير أن القراءة معناها مطلق التلاوة، و (اقرأ) الواردة في الآية معناها (اتْلُ) عن ظهر قلب لا أن يسرد ما في صحيفة أو كتاب. وإن حض الرسول على طلب العلم، وكونه أعلم الناس لا ينافي أميته، وكل ما في الأمر أن هذا الناشئ جهل الفرق المقرر بين (الأمية) و (العامية) فتوهم تناقضاً بين النصوص، وأن هذا التناقض عمى عنه الأولون والآخرون حتى طلع حضرته ببصيرته النافذة ونظره الثاقب فأزال لبسه وحل تناقضه بقوله: كان أمياً ثم تعلم وزالت أميته. دع عنك ما يعرفه كل مطلع على سيرة النبي من اتخاذه كتاب الوحي ومن استعماله الرجال ليكتبوا عنه إلى الملوك ومن الحادث المشهور في الحديبية حين سأل علياً عن مكان كلمتي (رسول الله) من الصحيفة ليمحوها بيده الشريفة إذ أصر رسول المشركين

<<  <  ج:
ص:  >  >>