للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يا رحمتا للمسكينة مما يطاردها من أحداث الليالي!

وأعياها السير، فحطَتْ متاعها عن كاهلها وجلست تستريح على حيد الطريق، حين مر بها فوجٌ من الجند فمدّتْ عينيها تنظر. . .

ونظرتْ، فعرفت، فهتفت. . .

ولكن هتافها تلاشى في ضجة الناس وزحمة الطريق؛ ومضى الجند ومضت تعدو في آثارهم وتركت متاعها تتقاذفه أقدام السابلة. . .

وانقطع بها الطريق فما بلغتْ ولا بلغ صوتها إلى من يَسمع، وكأنما كانت تنادي مُناديً من التاريخ يفصلها منه بضعة عشر عاماً من عمر الزمان!

وهامت المسكينة على وجهها ذاهلة لا تكاد تعي شيئاً مما ترى أو تسمع، ليس لها هدف فيما تسعى ولا غاية إلى ما تسير!

وأعيتْ بعد جهد فسقطت في الطريق لا حسٌّ ولا حركة ولا حياة؛ ثم أفاقت لتسأل نفسها ويسألها الناس فلا تجد الجواب!

وتتابعت على عينيها ذكريات الماضي يوماً يوماً منذ كانت حتى صارت؛ ونظرت يمنة ويسرة، ثم انطلقتْ تعدو. . .!

وعرفتْ بعد لأي أين تقصد، فمضت في طريقها. . .

. . . والتقى في خيمة الضابط المشرف على فرقة المتطوعين من أعراب الصحراء شخصان لم يلتقيا منذ بعض عشرة سنة، أما أحدهما ففتاة في الأربعين قد تقنعت بلفاع أسود حائل، وعليها ثوب أسود مرقوع، وترف على شفتيها ابتسامة لم تنفرج عن مثلها شفتاها منذ سنين. وأما الآخر فرجل أشمط مخدّد الوجه في جبينه شجّة ملمومة، يلبس حلة عسكرية وعلى رأسه طربوش بدوي غليظ يكبس أذنيه ويتدلى زره على قفاه. . .

وقالت الفتاة: راجح!. . .

وغصت بريقها وتسابقت بوادرها على خديها!

وقال الرجل: لم أكن أظن يا بدرية!

وكان الضابط جالساً إلى منضدة في صدر الخيمة يسمع وينظر ويبتسم ابتسامة الغبطة والرضا!

<<  <  ج:
ص:  >  >>