للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بلاده. فسألني في غضون الحديث. كيف ترى إقامتك في إنجلترا؟ قلت: أين هي من إقامة الأوربي في مصر؟ قال: ماذا تعني؟ إن الإنجليز يحبون المصريين ويرحبون بهم في منازلهم، قلت: لا أرى دليلاً على ذلك. وليست تخدعني المجاملة الظاهرة عما تكن النفوس من ترفع تارة وكراهية أخرى. قال: كيف؟ هل لقيت سوى حسن المعاملة حيثما ذهبت؟ قلت هبني لم ألق سواها فما ذاك إلا لأني رجل مهذب أحترم نفسي وأرعى حق غيري، فمن له بمخاشنتي وهذا محملي؟ فمضى في مكابرته الإنجليزية التي تعمى عن الحقائق من أجل أغراضها عماية عجيبة

ومضى زمن، وكنت أحادث طالبة إنجليزية بيني وبينها صداقة وثيقة فقالت: كم زوجا لك في مصر؟ قالتها بلجهة بن الجد والمزاح وقدماً قال شاعرهم شكسبير: كم من حقيقة أودعت نكتة، وأذكرني الخوض في هذا الشأن حديث ذلك الإنجليزي، فأردت ان أستوثق منها صراحة عن حقيقة رأي الإنجليز في الأجانب وشعورهم نحوهم، قالت أتروم الحق! قلت الذي لا غبار عليه والذي لن يغضبني مهما قسا

قالت: فأما إذا تروم الحق، فالإنجليز لا يحبون الأجانب عامة لأنهم يعدون أنفسهم سادة العالم، ولا يقيمون كبير اعتبار لما جاء من خارج جزيرتهم، ثم هم أشد نفوراً من الشرقيين الملوني البشرة لأنهم شديدو البعد والاختلاف عنهم، ولأنهم في الغالب غير مسيحيين، ومن لم يكن مسيحيا فهو في نظرهم لا يؤتمن، ثم إن المعروف بينهم عن الشرقيين أنهم شهوانيون، وأنت تعلم ما يقال عن مسائل الحريم وتعدد الزوجات، وأخيراً لأن من يفد إلى هذه البلاد من طلابهم هم عادة صفوة شباب بلادهم، وهم لذلك يفوقون أقرانهم الانجليز، ولذا ينقم عليهم طلاب الذكور خاصة

وكنت وعدت مخاطبتي ألا أغضب، فلم أشأ أن أفند لها هذه الأوهام، ولا سيما وقد عزتها إلى غيرها في لهجة من هي براء منها، فلم أقل لها إن القول بسيادة الإنجليز للعالم فيه ادعاء وتغرير، فتلك السيادة إن صحت لا يتمتع بها وبما تجره من منافع مادية سوى طبقة محدودة من الإنجليز، بينما سواد الشعب لا يمتاز كثيراً من سواد الشعوب الأخرى من نواحي التعلم والثراء والخضوع لتحكم الطبقة العليا، وإن المسيحية ليست أسمى ولا أطهر من الإسلام والبوذية دين الملايين من الشرقيين، وإن الإنجليز وإن رموا غيرهم بالشهوانية

<<  <  ج:
ص:  >  >>