للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إثباتٌ لوجوده. ولا يثبت الوجود للحيّ إلا بقدرته على الاحتفاظ بشخصيته، ولا يحتفظ المرء بشخصيته إلا أن يكون قد استوعب فهم ما يستطيع من حقيقة هذه الشخصية، وهو لا يفهم هذه الشخصية إلا أن تكون كل أفكاره منتبهة لتحليل كل شيء يعرض له، وذلك حين يكون كل همه في البحث عن أشياء هذا السؤال الواحد: من أنا؟

فإذا استطعنا في هذه الساعة الهائلة من تاريخ العالم وتاريخ الإنسانية أن نجعل طبقات الشعوب الشرقية تثور ثورتها على الفتور والجهل والغباء والبلادة وقلة الاحتفال بالحياة، وأن نجعل سلاح الثورة على أحسنه وأجوده وأمضاه في هذا السؤال، فقام كل أحد يسأل بمن أنا؟ فتجديد الحياة في الشرق حقيقةٌ لا مناص للعالم بعدها من الاعتراف بأنها واجبة الوجود على الأرض. وأما إذا انطلقت مع أحلام النوم وفلسفة الأحلام، وجعلنا نلبس مُسُوح العلماء والمفكرين، وجلابيب الوقار والسمت. . . أي البلادة! فقد هلك على أيدينا من كان حقه علينا أن نجعل هذه الأيدي خدماً في حاجاته ومرافقه

إن من الهراء أن تأتي مجلس قوم من بلداء المهندسين قد اختلفوا في الأرض: هل تصلح لوضع الأساس أو لا تصلح؟ فتحدثهم أنت أن الرأي أن يتحولوا إلى مكان آخر من صفته ومن نعته. . . مما يصلح عليه البناء! فإن هؤلاء إذا بدءوا أمرهم بالاختلاف على ما يجدون عنه مندوحة، فاعلم أنه لا فلاح لهم، وإنما الرأي أن تتحول أنت عن هؤلاء البلداء إلى من تجد عنده من الانبعاث إلى العمل ما لا يجد معه وقتاً يضيعه في ترجيح بعض ما يختلف عليه على بعض آخر

فالطريق الآن إلى الحياة الجديدة أن يتحول الشرق عن أصحاب الاختلاف والمنابذة وعلم الآراء التي يضرب بعضها وجوه بعض تناقضاً وتبايناً وافتراقاً، وأن يصغي إلى حنين النفوس المتألمة التي تحن وتئن من أشواقها، فيتجاوب حنينها نغماً روحياً فيه حركة الحياة، وحرارة الوجد، وأضواء الأمل. وعندئذ يستجيب القلب للقلب، وتستمد الروح من الروح، وتثور الأشواق الخالدة في القلوب الطامحة والأرواح السامية، وبذلك تستحث الحياة الحياة إلى الغاية التي يرمي إليها الشرق بأبصاره من تاريخه ومن وراء التاريخ

إن عمل العامل في أول الطريق غير عمله في آخره، فنحن سوف نبدأ - وسنبدأ بإذن الله -، فعملنا الآن هو إنقاذ أرواح الملايين من الموت ومن الفتور ومن الكسل، وليس عملنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>