للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

عودة الماضي

للأستاذ محمد سعيد العريان

خلَتْ (هُدَى) إلى نفسها تتدبّر أمرها وتزن ماضيها وحاضرها؛ كانت تشعر أنها قادمة على أمر ذي بال، وأَنها الساعةَ في مرحلةٍ بين مرحلتين من حياتها، وثَمّةَ طريقان عليها أن تختار أيَّهما تسلك؛ فإما إلى سعادةِ تُنسيها الماضي بما فيه من لذة ونشوة وسحر، وإما. . .

ولكنها لا تعرف السعادةَ إلا ما كانت فيه قَبل؛ فما هذا الجديد الذي يحاول أهلها أن يزيَّنوه لها ويحملوها عليه؟

الزواج! والبيت! والأسرة!

ما أجمل هذه الأسماء وألطفَ موقعَها من قلب كل فتاة! ولكن ما بال (هدَى) إذ تسمعها الساعةَ كأنما تَخِزها وخزَ السنان، فما تطرق أُذنَها إلا فارغةً من معناها أو معدولاً بها عنه، فليس لها في نفسها إلا معاني القلق والوحشة والحرمان!

أتراها وقد جاوزت العشرين لم تفكر في الزواج والبيت والأسرة قبل اليوم؟ بلى! ولكن. . .، ولو أن أحداً غير أبيها وأمها ألقى إليها هذه الكلمات قبْل، لكان لها معنى حقيقٌ بأن يسرَّها ويملأها سعادة ومرحاً؛ أعني لو أنه هو. . . ولكن، أين هو؟ وهل يدري. . .؟

وطارت خواطرها سريعاً إلى (ماجد) وتمثلتْه جالساً مجلسَه ينتظرها لموعدها الذي طالما التقيا فيه منذ سنواتِ. . . يتلفْت ويمدْ عينيه يَتنورَّها قادمةً من بعيد، فيلقاها مبتسماً ويبسط لها يمينه!

آه: ماذا تُراه يفعل حين يبلغه النبأ، فيعرف أن (هدى) لن توافيه لموعده منذ اليوم، ولن تلقاه، ولن يراها؛ لأن حياةً جديدة قد باعدت بينهما فلا سبيل إلى اللقاء!

ورانت على عينيها غشاوة من الدمع، وتدحرجت على خذها عبره؛ أَّمحى خياله من خيالها، ثم عاد، ورأته - كما نظرتْ في مرآتها - عابساً مقطِّباً، في جبينه ذلة المخذول وفي عينيه ذبول السهر ولهفة الحرمان!

وغلبتْها نفسُها فأرسلت عينيها، وأطرقتْ، وأصابعُها تعبث بمنديل بللته الدموع!

ورن جرس المِسرَّةَ، فهبْت واقفة كأنها من رنين الجرس على ميعاد، ثم ذكرتْ موقفَها،

<<  <  ج:
ص:  >  >>