للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

غارق في البحر، ومنها ضال في الفيافي، ومنها هالك عطشا على قني الجبال، وبعضها هلك في وهج الشمس، وبعضها سقط إعياء وبعضها شغلته عجائب الطريق فوقف. وبعضها وجد ما يلهو به فركن إلى الدعة وآثر الراحة. وبعضها أصابته مصائب أخرى.

لم يبلغ الغاية من تلك الآلاف المؤلفة إلا ثلاثون طائراً (سي مرغ) بلغت وبها من النصب والإعياء والآلام ما بها. فماذا وجدن؟ وجدن حضرة لا يدركها الوصف ولا ينالها العقل. وأين برق الاستغناء يومض فيحرق مئات العوالم في لمحة. وأين آلاف الشموس وآلاف الكواكب حائرة كالذرات. فقالا بعضهن لبعض: وا أسفا على ما تحملنا من مشاق السفر. إن مائة فلك هنا كذرة من التراب. فما وجودنا أو عدمنا نحن في هذه الحضرة؟ بقين في حسرة ينقص الحزن منهن حتى خرج عليهم حاجب العزة. قال: أيتها الحائرات المضنيات من أين جئتن ولماذا؟ ما اسمكن، ماذا سمعتن، ومن أخبركن أن قبضة من العظام مثلكن تستطيع أن تعمل شيئا، قالت الطير: جئنا هنا ليكون السيمرغ ملكنا. وقد طال الطريق وكنا آلافا فما بقى إلا ثلاثون. جئنا من أرض بعيدة راجين أن يؤذن لنا في هذه الحضرة، لعل الملك يرضى عملنا فتنالنا نظرة من رحمته

قال الحاجب: أيها الحيارى ما أنتن ما وجودكن وعدمكن عند الملك المطلق الباقي؟ إن مئات آلاف من العوالم لا تزن شعرة أمام باب هذا الملك، هلم فارجعن أيتها المسكينات.

قالت الطير: إن هوانا على هذا الباب عز، وسنبقى هنا نحترق كالفراش علىالنار، أذن لنا بالدخول أم لم يؤذن، ولن نيأس من رحمة الملك. فخرج عليهن حاجب الرحمة وفتح الباب لهن وتقدم يرفع الحجب مئات من الحجب كل لمحة، فانبعث النور في الأرجاء ويبدأ عالم التجلي. فدخلت الطير وأجلست على أرائك القرب

ماذا أصاب الطير من بعد؟ أعطى كل طائر ورقة ليقرأهافقرأ كل ما قدم من عمل حتى غشى عليه حياء وخجلا. ثم محيت الأعمال وأنسيت فلم تذكر الطير شيئاً. ثم أضاءت شمس القرب محرقة كل روح وحينئذ راين السيمرغ. وما اعجب ما رأين. كن إذا نظرن إلى السيمرغ يرَين (سي مرغ) وإذا نظرنا إلى أنفسهن (سي مرغ=ثلاثين طائرا) رأينا السيمرغ، وإذا نظرن إلى أنفسهن والسيمرغ معاً رأين سيمرغا واحدا. فبلغت بهن الحيرة مبلغها. فسألن فقيل لهن: إن هذه الحضرة مرآة فمن جاء هنا لا يرى فيها إلا نفسه. فقد

<<  <  ج:
ص:  >  >>