للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا كلام يقوله ممثل من القسم الأول، أما الممثل من القسم الثاني فيقول: (ومالي أنا أجري وراء الناس، أو أجري وراء الأشباح في ذكراي؟ أنا سأفرض أني هذا العامل الفقير وسأرى أي أثر يؤثر هذا العمل في النفس وفي الجسم: أهو يعطي صحة أو يعطي سقماً، أهو يورث الهدوء أم يبعث في الأعصاب الفزع، أهو ينشط العقل أم يعلمه النوم والكسل. . . فإذا علمت أي شيء يصنعه هذا العمل بالعامل استطعت أن أعود إلى نفسي أنا فأراها كيف تكون عندما تنطبق عليها الأوصاف المترتبة عن هذا العمل، وليس علي بعد ذلك إلا أن ألزم نفسي في اتخاذ هذه الأوصاف وأنا أمثل هذا الدور، فإذا فرغت من هذا الأساس رجعت إلى نفسي مرة أخرى فرأيتها في الفقر ورأيتها في المرح، ورأيتها حين تبذر وتسرف كيف تلقي المال وكيف تنسقه إذا كانت بهذه الأوصاف الجيدة، ثم أرى نفسي بعد ذلك كيف أهتم وكيف أغتم، وكيف أفر من الهم ومن الغم. . .

فإذا رأيت هذا كله وإذا درسته استطعت بعد ذلك أن أمثله وأنا أضمن أن أخرج الدور لك صورة طبيعية صادقة رائعة

وتسمع أنت كلام الممثل الأول، وكلام هذا الممثل الثاني، وتريد أن ترى أيهما الأضمن طريقاً، وأيهما ألأمكن فناً، أهذا الذي يتلقط مادة فنه من صورها الطبيعية، أم هذا الذي ينفخ نفسه في الطبيعة فيخرجها مخلوقاً جديداً؟

فإذا طلبت من هذين الممثلين أن يمثلا هذا الدور، رأيت الممثل الأول يسرع إلى الإجادة، فلا يحتاج إلى تدريب، وإن احتاج فإلى تدريب قصير يتمكن بعده من الدور تمكناً ملحوظاً

أما الممثل الثاني فإنك تراه يتسكع نحو الإجادة تسكعاً، ولكنه كلما أصاب تصوير حالة ما استمسك بها، وراح يبحث عن غيرها، فكلما طال تدربه على الدور وانشغاله به زاد إتقانه له واندماجه فيه، على العكس من الممثل الأول الذي يقف في الإجادة والإتقان عند حد خاص، هو الذي رآه في الطبيعة ونقل عنه.

وليس هذا وحده هو الفرق بين هذين الممثلين، فثمة فرق آخر كبير، ذلك أنك تجد في الممثل الأول الذي يأخذ عن الصور الطبيعية ملامح هذه الصور الطبيعية ولا ترى ملامحه هو، كما أنك ترى النفوس هذه الصور الطبيعية ولا ترى نفسه هو؛ أما الممثل الثاني فإنك ترى ملامحه ونفسه في الدور، فكأنه هو قد انصرف عن التمثيل فعلاً واشتغل عاملاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>