للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومما هو معروف ثابت إلى جانب هذا وذاك أن الموت ضد الحياة، وأنه لا حي يطلب لنفسه الموت.

هذه الحقائق كل منها مرئي على انفراد، فإذا أطلقنا بعضها على بعض استطعنا أن نقول إن الفن يورث الإيمان والحياة، وإن من العلم ما قتل كما يقول الأستاذ بشارة الخوري.

فلماذا؟

الواقع أن هذا يرجع إلى أن الفنان يرى بالتجربة أنه لا ينتج شيئاً يروقه هو ويعجبه إلا على عجز منه، لا تدبير له فيه ولا إرادة. ومن هذا يتعلم الفنان أنه في هذه الدنيا مرزوق يعطيه الله ما يريد، ومحروم يمنع الله عنه ما يشاء. وبهذا العلم يعيش الفنان ويصبر ويشيخ وهو يرجو السعادة وينتظرها، بل إنه لينعمن بالسعادة في أرذل أوقات الشقاء، تلك الأوقات التي يراها الناس شقاء، والتي يستشف الفنان فيها من لطف الله وكرمه وإحسانه ما لا يستشف غيره ممن ربطوا عقولهم على صنوف خاصة من الحاجات والنعم فهم لا يرون غيرها، ولا يرضون من غيرها، بينما الحياة المجردة نعمة.

أما رجال العقل والفكر - العقل الأوربي والفكر الأمريكاني - فأولئك الذين يكرهون الحياة لأنهم يحرصون تفكيرهم في نوع خاص من الحقائق المجردة يريدون أن يعوها وعياً منطقياً معقولاً بينما هي أعز من أن ينالها هذا الوعي، وبينما هي تتطلب ممن يحب أن يصل إليها أن يعزز عقله إذا ارتقى بخلق مرتق، وبأفعال مرتقية، وبحياة ينسجم فيها الارتقاء الإنساني من كل نواحيه. وبهذا فقط تستطيع النفس أن تصل إلى الحقائق العليا.

والعجيب أننا حين نحدث أصحاب العقل والفكر هؤلاء بمثل هذا الحديث يقولون لنا: وما دخل الأخلاق والعبادات التي لا نعدها إلا شعوذات في الوصول إلى الحقائق المجردة؛ وأذكى ذكي منهم يسألنا قائلاً: هل يلزم أن أكون رجلاً فاضلاً كي أعرف أن المغناطيس يجذب الحديد، وأن الأرض تدور دورة كاملة في اليوم، وأن لها قمراً واحداً بينما لزحل أو عطارد أكثر من قمر. . .؟!

وجوابنا على هذا الذكي الأذكى هو أن الشر إذا لم يكن يؤذي نفس صانعه فإنه يؤذي نفس من يقع عليه، فهو إذن شيء تكرهه النفس، وهو إذن عدو لها، فيجب على النفس التي تريد أن تعرف نفسها أن تتخلص أولاً من هذا الذي تكرهه، عدوها الكامن فيها. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>