للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأحاسيس لا تضيق بها الألفاظ، وإشارات لا تجد اللغة عسراً في الإبانة عنها وهي في سعة، لم أجد شيئاً غير هذا، ولكني وجدت أديباً يؤلف ليقال عنه إنه رمزي.

نشأت الرمزية مع النفس ولم تصنع، نشأت في الأدب كما نشأت الواقعية والبار ناسية وغيرها، ومحال أن يكون في استطاعة الكاتب أن يكتب، وأن يكون مجال الإشراق والطلاقة مهيأ له، فيغمض ويبهم ويظلم، ويسعى إلى الرموز والكفايات عمداً وكدِّا، لا اضطراراً ولا فنِّا فيفقد طلاقته الفنية، وإشراقه الوجداني، كما صنع مؤلف مسرحية مفرق الطريق. بينما الطريق أمامه عريض ومتسع وممتد إلى غايات كثيرة في المسرحية الرمزية، وفي استحداث التشابيه والأغراب فيها كما شاء مع لطف الإشارة ورشاقة التخلص؛ وهذا الغموض الذي يلقي ظلاله أحياناً فيبهر ويسحر، وخصوصاً إذا كانت القضية هي قضية القلب والعقل بين امرأة ورجل!، ولا أنسى حديث الرمزية عن المقبرة البحرية للشاعر الفرنسي بول فاليري، وقد ذهب إليه جماعة من النقاد والكتاب يستوضحونه ما استغلق عليهم من معاني هذه القصيدة الرمزية وكلماتها، فكان جوابه لهم أنه لا يملك إيضاحاً ولا إبانة أكثر مما عبر عنه من الكلمات والعبارات في قصيدته.

وهأنذا قد خلصت من ضباب هذا الإبهام أو الإيهام، وما أراني إلا كهذا الإنجليزي الذي كان يسمع عن أشباح هائلة تظهر في الضباب كل صباح، فلما كان ذات يوم نُضبٍّ رأى في طريقه عن بعد شبحاً يروع منظره، وكان كلما اقترب منه تضاءل هذا الشبح حتى إذا ما التقى به لم يكن غير إنسان عادي، عرف في وجهه أحد معارفه!!

ولقد مشيت وسط هذا الضباب وبين حديث الفلسفات إلى مسرحية (مفرق الطريق)، فلما دنوت منها وتبينت سماتها واستظهرت دقائقها، لم أجد شيئاً يروع ويعجب، وإنما رأيت شيئاً عادياً كالذي رآه ذلك الإنجليزي.

(ناقد أديب)

<<  <  ج:
ص:  >  >>