للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والجموع المحشودة لاستئصاله. فأشار عليه المسلمون أن يحفر خندقاً في الناحية المخوفة من المدينة، فقبل ولم يكن للعرب عهد به؛ فلما وصلوا حجز بينهم الخندق. ولكن هل اكتفى اليهود بتلك الجموع وحدها؟ إن لهم في المدينة إخواناً في الدين يصح استغلالهم ليكون خطرهم على المؤمنين شديداً، أولئك هم بنو قريظة.

بنو قريظة

هذب حي بن أخطب إلى سعد بن كعب سيد بني قريظة، وصاحب عهدهم، وكان بين سعد وبين النبي عهد أن ينصره إذا حورب كما تقدم، وأن يكون معه على من دهم يثرب، فأغلق سعد بن كعب الباب دون حي، ولكنه استجاب أخيراً لدعوته، ونقض عهده، وانضم إلى الأحزاب، وسمع النبي بذلك فأرسل سعد بن معاذ سيد الأوس وحليف بني قريظة وأرسل معه سعد ابن عبادة سيد الخزرج ليعلما له صدق الخبر، وكان أمر بني قريظة يهمه أكثر مما يهمه أمر الأحزاب، لأن بني قريظة في بلده لا يفصل بينه وبينهم خندق ولا غيره، وخيانتهم في هذا الوقت الحرج تؤثر أثراً بالغاً في جيشه.

ولما بلغ الرسولان بني قريظة وجداهم على أخبث حال من الغدر والخيانة، نالوا من رسول الله بألسنتهم ونقضوا عهدهم، وقالوا لا عهد بيننا وبين محمد. فشاتمهم سعد بن معاذ؛ فقال له سعد بن عبادة: إن ما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة. ثم عادا إلى رسول الله وأخبراه بما عليه القوم فعظم البلاء على المسلمين، واشتد الخوف، وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم، وزلزل المؤمنون زلزالاً شديدا.

وأقام المسلمون على ذلك الحال من الخوف والحذر بضعا وعشرين ليلة، ثم قبض الله لهم نعيم ابن مسعود الأشجعي فجاء النبي مسلماً، وقال له إني أريد مساعدتك وإني رجل واحد؛ فقال له الرسول: خذَّل عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة، فاستطاع بحسن حيلته تدبيره أن يوقع الفرقة بين الأحزاب. وأرسل الله على هؤلاء ريحاً اقتلعت خيامهم، فعادوا إلى بلادهم من غير حرب، وفي ذلك كله يقول الله تعالى في سورة الأحزاب: (يأيها الذين آمنوا اذْكُروا نعمةَ اللهِ عليكم إذ جاءتكم جنودٌ فأرسلنا عليهم ريحاً وُجنُودًا لم تَرَوْها، وكان الهُ بما تعملونَ بصيرا، إذ جَاءُكم مِنْ فوقِكم) وهم بنو قريظة، (ومن أَسْفلَ منكم) وهم الأحزاب، (وإذْ زَاغتِ الأبصارُ وبلغت القلوب الحناجر، وتظنون بالله الظُّنونَا. هنالِك ابتُليَ المؤمنون

<<  <  ج:
ص:  >  >>