للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الذي في الردهة: قهوة. فينقلها الذي على الدرج، ثم الذين في أرض الدار، حتى يبلغ الصوت صانع القهوة. وكانت تلك عادتهم ولكما لم نكن نعرفها، فما راعنا ونحن نسلم على الأمير ونتحدث إلا ستون قهوة. . . قهوة. . . بأصوات كالصوت الذي ذكره ربنا في القرآن، تخرج متعاقبة متلاحقة كصراخ الجن، لا يفهم منها شيء. فلم ندر ماذا حدث، وعملت المفاجأة عملها في نفوسنا، فمنا من صاح، ومنا من ابتدر الباب، ومنا من سقط على الأرض، ومنا من وضع يده على سلاحه. . . وكان الأمير مبتسما مسروراً من هذه الدعابة. . .

وليس كثيراً أن نحمل في سبيل القهوة هذا الفزع، فإن للقهوة عند العرب اليوم من الشأن ما يقل معه كل تعب ينال من أجلها، ولها عندهم قواعد قوانين لا معدل عنها ولا ترخيص فيها، فمن قوانينها أن البن يدق بالهاون دقاً حتى يسمعه الضيفان فيهرعوا إليها، ولا يجوز أن يطحن طحناً لأن ذلك من اللؤم، وأنهم يتخذون لها أواني كثيرة يصبون القهوة من إناء إلى آخر ليصفوها ويرققوها، ويسمون كل دلّة من هذه الدلال باسم، فهذه العروسة، وهذه الأم. . . ولقد رأيت عند أمير تبوك أكثر من عشرة أوان (دلال) كلها مملوءة، والساقي يحبها حباً شديداً، ويراها في معدلة أولاده. . .

وهم يخلطونها بحب الهيل، ويضعون قطعة من الليف في فم الدّلة تقوم مقام المصفاة، فإذا نضجت القهوة قام الساقي فأخذ الإناء باليسرى وقدم الفناجين باليمنى، ويرون تقديمها باليسرى كما يفعل الشاميون إهانة للضيف قد تجر إلى سفك الدم والعياذ بالله تعالى. . . فيأخذ الضيف الفنجان بيمينه فيشربه ويدفعه إليه، فلا يزال يصب فيه حتى يهزه الضيف ثلاث هزات علامة على أنه قد اكتفى ولا يصبون في كل مرة إلا رشفة واحدة لا تكاد تستر قعر الفنجان وعندهم أن هذا من الإكرام، وإذ ملأ الساقي فنجان أحدهم كان ذلك احتقاراً له. ويبدأ الساقي ممن على يمينه ثم يعطي من يليه، وإذا هو تخطى واحداً فقد أهانه إهانة بالغة لا يصبر عليها إذا كان شريفاً، وإذا اكتفى الضيف ولم يأخذ الفنجان بعد أن يصبَّه الساقي وجب على الساقي أن يشربه هو أو يريقه على الأرض ولو كان على الأرض بساط قيم أو سجاد ثمين، ولا يدفعه إلى الذي بعده. . .

هذا جانب من قوانين القهوة، وللقهوة عند العرب شأن كبير فقد يستغني البدوي عن الطعام

<<  <  ج:
ص:  >  >>