للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجاء الكاتب في مقاله الأول يقول: إننا حاولنا أن نقرب المسرحية من قصيدة العقاد فنسبنا تصميم غلاف المسرحية إلى بشر فارس وهو من صنع فنانة باريسية؛ فقلنا: إن هذا الرأي المعتذر الدليل كل الدليل على صحة ما ذهبنا إليه، لأن الفنانة الباريسية بعد أن قرأت هذه المسرحية العجيبة وهضمتها وتأثرت بها وأرادت إبراز فكرتها مصورة، لم تجد غير قمة باردة منارة، وطريق صاعد بين الصخور ومنحدر إلى غور؛ وإذا قصيدة العقاد مصورة على غلاف المسرحية، وإذا المؤلف في ختام مسرحيته يقول بمثل ما قال به الأستاذ العقاد في ختام قصيدته، وهو يدعو إلى النزول والانحدار وترك هذه الثلوج.

وقد يلذ لحامي المسرحية أن يسوق دعواه بأنه يقرر مذهباً فلسفياً فأنكرنا عليه هذه الدعوى، لأن المسرحية جاءت خليطاً من فلسفات شتى كما أسلفنا القول على ذلك؛ وهكذا أطرد سياق المسرحية في أسلوب من التعسف إلى غير هدف صميم من المذاهب الفلسفية التي أقتحم عليها فظلمها وإن كانت قد تأبت عليه إحدى قضايا النفس البشرية المشتركة بين جميع الأحياء، ولا يستعصي فهمها على الدهاء

هذا من حيث الفكرة! فماذا من ناحية الأسلوب؟

لقد نهج المؤلف نهجاً ساذجاً في الاقتباس: فهو من الجهة الواحدة قد اقتطع الأستاذ العقاد في إيراد فكرته بقصيدة القمة الباردة، فعالج موضوعه على نفس الأسلوب صاعداً إلى القمة المثلوجة وهابطاً إلى الغور المظلم، ولو أنه كان مبدعاً في نهجه لأتخذ سبيلاً آخر وراح يناوح جنبات فكرته بين الشاطئ المؤنس وبين مضارب الصحراء مثلاً! بل إنه أمعن في هذا الاقتباس الغريب المريب فراح يعرض فكرة الصراع بين العقل والقلب على النمط الذي نهجه الشاعر علي محمود طه في قصيدة قلبي إذ صب معانيه في قالب ألفاضها دون أن يصوغها في قالب آخر؛ فهو يعمد إلى قوالب النار والظلمة والاحتراق دون أن يلجأ إلى صيغ جديدة تضفي على فكرته مسحة الأصالة شأن من يمتازون بشخصيتهم الأدبية المستقلة، وفضلاً عن ذلك كله فقد أثقل المؤلف بأسلوبه على مذهب الرمزية، وطغى عليه حتى مسخ طبيعته وشوه فضيلته وأفسد غايته. ذلك أنه تطاول على هذا المذهب إلى حد المواءمة بين المطبوع والمصنوع، ولقد وضحنا أن الأصل في الرمزية أن تنشأ مع النفس وفي التفكير، لأنها التعبير عما وراء الطبيعة، أو ما وراء أفق الشعور بما تعجز الألفاظ

<<  <  ج:
ص:  >  >>