للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(صورة) أولاً وأخيراً.

والموقف كريم مهما كانت بواعثه، ومهما بعدت أسبابه عن الموضوع الذي نحن في صدده، وهو تحديد قيمة هذه المسرحية من الناحيتين الفلسفية والفنية.

بيد أننا نعبر بالكرم لنقول إن بشر فارس ما كان في حاجة إلى الحكم الذي قضى به الأستاذ متولي فيما له علاقة بالمسرحية، لأن أحداً - حتى ولا (الناقد الأديب) - لم يزعم أن بشراً سرقها من كاتب مسرحي متقدم أو متأخر، وإنما المسألة محصورة فيما إذا كان بشر قد استلهم في كتابة مسرحيته هذه من الفيلسوف (كانت) التي تمت إليه قصيدة الأستاذ العقاد، أو هو استوحى فلسفة (بيرجسون).

وأما ما أورده الأستاذ متولي دعامة لحكمه هذا من أن الفن (صورة) وليس (فكرة) فأمر لم يغلب عن ذهننا فيما سبق أن أجريناه في حديثنا السابق، بل سجلناه في أسلوب أوضح وأدنى إلى الثقافة العربية، إذ قررنا (أن المعاني والفكر المتداولة أشياء يشترك فيها جميع الناس، فهي دوارة في نفس الجاهل والسوق، والمتعلم والأديب، وإنما العبرة بطرائق معالجتها، وبالكسي التي تضفي عليها، من حيث حسن التأليف، وجودة التركيب والابتداع والنفس المبتكر الخلاق، وهنا مجال التفاوت بإبراز الشخصية الكاملة المستقلة).

ولم تدل بهذا في معرض الدفاع عن بشر فارس لأنه أغار على قصيدة الأستاذ العقاد فانتحل مذهبها الفلسفي لمسرحيته، ولكننا أوردناه لندفع زعماً آخر لا يدور حول المذاهب الفلسفية المرسومة وإنما يدور حول حقيقة من حقائق النفس البشرية التي هي عامة ومبذولة لكل كاتب، ألا وهي (الصراع بين العقل والشعور).

قررنا هذا المبدأ الذي له أصل عند نقاد العرب والذي عليه نقاد الغرب، محاولين أن نضع له قيوداً خشية أن يصبح الأمر فوضى فتنتحل المعاني وتغتصب الصور.

واقتصار الفن على (الصورة) أو (الشكل) كما يرى الأستاذ متولي، لا يعني أن يكون هناك فن رفيع وفن رخيص، وفن أصيل مبتكر وفن متبع مقلد، وشاعر يسرق وكاتب يستمد، فالتسليم بأن المعاني والفكر المتداولة أشياء يشترك فيها الكتاب، وبأن المتقدمين لم يتركوا شيئاً للمتأخرين، كل هذا وما يدخل في معناه، لم يحجز النقد عن أن يقيم الحدود بين الإغارة على المعاني وسلخها ونسخها وبين الاستلهام والتوليد والاستيحاء والتخريج.

<<  <  ج:
ص:  >  >>