للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بين مصر والعراق]

للأستاذ محمد أبو بكر إبراهيم

مما استرعى نظري في نسخة من جريدة الهدف العراقية صورة شمسية تهول وتروع للدكتور زكي مبارك، وما كدت أقرأ بضعة أسطر فيها حتى بان لي أن العدد كله قد خصص لتكريم الدكتور والاحتفاء به والإشادة بفلسفته وعلمه، فانطلقت ألسنة الأدباء العراقيين بالثناء عليه، وانبرت أقلامهم لتسجيل أدبه، وحفظ أثره، ووصف براعته في الكتابة التي تساوق براعته في الشعر.

وإنها لمدحة حقة صادفت أهلها، وحلت محلها، وجاءت تخليداً للمحمدة الباقية التي تفضلت الحكومة العراقية فأسبغتها عليه، إذ أكرمته بوسام الرافدين تقديراً لمجهوده، ومعرفة لمعروفه

وإن عرفان الجميل، وتقدير أعمال العاملين، وإعطاء الحق لمستحقيه، لهى فضائل طيبة عزّ وجودها في هذا الزمان الذي ابيضت عينه، وغاض معينه، وقل خيره، وكثر شره وضيره، وأغمطت فيه الحقوق، واشتد به بلاء العقوق، ولكن إخواننا العراقيين قد رفعوا فيه لواء هذه الفضائل، وتحلوا بحللها وحلاها وتلك بعض مناقبهم الغراء، وشيمهم الشماء.

وليس بمستغرب أن يشغف الدكتور بالعراق حبّاً؛ وأن يولع بالعراقيين وآثارهم وأخبارهم وأيامهم وتواريخهم وسائر أحوالهم فإن ميله إليهم قد خالط منه اللحم والدم، وأصبح جزءاً من عاطفته وضرباً من تعصّبه وشطراً من فطرته ولوناً من غذائه الروحاني ومقومه النفساني.

فهو حينما يخطر بباله خاطر عنهم - وما أكثر توارد هذه الخواطر الملحّة على ذهنه - تراه يتهلّل بشراً، ويسترسل في الحديث عن مفاخرهم ومآثرهم استرسالاً يأسر انتباه السامعين ويملك لبّهم، لحلاوة الأسلوب وحسن الأداء ولطف القول؛ ويجذب نفوسهم بما في حديثه من الطرائف والطرف، والروائع والتحف وكل ما يستهوي ويستميل.

وما أكثر المصغين من المعجبين ببلاد العراق الذين يشعرون بمثل ما يشعر به الدكتور من تقدير لها وميل نحوها، ويحسّون مثل ما يحسّه قبلها من عواطف نبيلة واتجاهات شريفة.

ولا ريب أن المودّة والمحبة والرغبة الصادقة المتبادلة بين الأقطار الشرقية لتزداد قوة على

<<  <  ج:
ص:  >  >>