للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[كلمة في القرآن]

(إلى كبار العلماء، ومشيخة القراء، وجماعة الأزهر المعمور)

للأستاذ على الطنطاوي

قال لي صديق عالم في بعض حديث كان بيني وبينه: ما بال أحدنا يأخذ ديوان المتنبي مثلاً، فما يدع منه واحدة حتى يقتلها فهماً، ويحيط بأسرارها علماً، ويغوص على جواهر معانيها، ويتبع خفيف إشاراتها، وبعيد كناياتها، حتى ينتهي إلى مراد الشاعر منها، وقد تنطبع على صفحة قلبه آراء الشاعر فيؤمن بها إيماناً، ويتخذها قدوة وإماماً، وربما يدل ذلك من خلائفه، وعدل من سلائقه، مع أن ديوان المتنبي، وإن علت في الكلام مرتبته، وسمت في البلاغة منزلته، لا يعدو أن يكون كلام مخلوق يخطئ ويصيب، وليس من شأنه أن يكون كتاب هدى ولا إرشاد. . . ثم نتلو القرآن أناء الليل وأطراف النهار، فلا يأمرنا ولا ينهانا، ولا يكون له أثر في حياتنا، وٍالقرآن كلام الله رب العالمين، أنزله رحمة وهدى للناس أجمعين؟

تأملت فوجدت كلامه حقاً، فأطلت التفكير فيه، فرأيت النقص إنما دخل علينا من أنفسنا لا من القرآن، والقرآن لم يزل على ما كان عليه يوم أخرج من الأمة البدوية الجاهلة خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر، وأعطاها مقاليد الأرض، ففتحت بها ما بين مشرقها والمغرب. . . فما له اليوم وما لنا؟ وكيف غدونا وأمورنا في يد كل واغل علينا، يغلبنا كل مغلب، ويستنسر في أرضنا البغاث، ومن إذا استغاث لا يغاث، وإن أتى في عقر بيته لم يملك دفعاً ولا منعاً؟

النقص منا لا من القرآن، فلو أنّا أخذنا القرآن على وجهه ولم نعدل به عما أنزل له، لم نذل، والقرآن بين أيدينا، وبالقرآن عز من عز من أسلافنا.

نزل القرآن آمراً وناهياً، ومذكراً وواعظاً، وكان للمسلمين دستوراً وقانوناً، فلم نفهم منه إلا أنه كتاب تبرّك، نتخذه تمائم ورقي، أو نتلوه تلاوة تطريب وتلحين، وتطربه وتليين، نؤخذ بحلاوة صوت القاريء، وبراعة إلقائه، وحسن تصرفه في ألحانه، ولا نتنبه الانتباه المطلوب إلى المعاني، ولا نخشع الخشوع اللائق بمن يسمع كلام الخالق، وإن كنتم في شك من الأمر فاسألوا من يفتح (الرادّ) لسمع قراءة الشيخ محمد رفعت، أكان يسمع لو قرأ غيره

<<  <  ج:
ص:  >  >>