للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سيجموند فرويد]

العالم النفساني الكبير

للأستاذ صديق شيبوب

- ١ -

كانت هذه الحرب القائمة في شهرها الأول عندما حملت أنباء البرق نعي العالم النفساني الكبير (سيجموند فرويد) الذي أثار في حياته حرباً كلامية وقلميه لا تقل عنفاً عن حروب المدافع والقنابل، وأحدث في علمي الطب والنفس ثورة وانقلاباً لا يقل مداهماً عما تحدثه المدافع والقنابل في طبيعة الأرض وما تخلفه الحروب من تغيير في أحوال البلدان وطبيعة العمران ونفس الإنسان

ذلك هو (فرويد) الذي توفى في ليلة الأحد الرابع والعشرين من شهر سبتمبر من السنة الماضية، أي منذ عام تقريباً، في منزله بهامستيد بإنكلترا عن ثلاثة وثمانين عاماً قضاها في خدمة العلم باحثاً منقباً، خالقاً مبدعاً، لا تثنيه عن عمله هجمات مناوئيه، ولا تشغله عن أغراضه أمور الدنيا ومشاكل العالم، مخلصاً لفكرته، معالجاً لأبحاثه، ساعياً وراء غاياته، حتى ركز علماً قائماً على التحليل النفسي وعلاقته بالغريزة الجنسية، وأحدث حدثاً لم يقتصر أثره على الطب ومعالجة الأمراض العصبية وعلى علم النفس وتداخل الغريزة الجنسية فيه، بل تعداهما إلى الفنون والأدب.

ولد (سيجموند فرويد) بمدينة (فريبرج) الصغيرة بالنمسا في ٦ أغسطس سنة ١٨٥٦ وتلقى فيها التعليم الابتدائي ثم انتقل إلى فينا ودخل جامعتها ودرس الطب فيها، وبينما كان يشعر في قرارة نفسه بزهد في هذا العلم، وقد كان صريحاً حين كتب متحدثاً عن نفسه: (لم أشعر في طور الشباب وبعده بميل خاص لمهنة الطبيب أو مركز الطبيب من المجتمع.) ثم أضاف إلى هذا قوله: (على أنه كان يحركني نوع من الظمأ للمعرفة يتجه خاصة إلى الصلات الإنسانية أكثر منه إلى الأشياء الطبيعية.) وإذا عرفنا أنه ليس في علم الطب مادة تعرف بالصلات الإنسانية فهمنا كيف وصف نفسه بأنه كان يؤدي واجباته في الأبحاث الجامعية (في كثير من الإهمال) وكيف وجه دروسه في الوقت نفسه إلى اتجاهات أخرى،

<<  <  ج:
ص:  >  >>